✒️ حسان سعد بشارة *فرصة تاريخية في أتون المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية: هل أهدر العرب والمسلمون نافذة استراتيجية في الصراع؟*
✒️ حسان سعد بشارة
*فرصة تاريخية في أتون المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية: هل أهدر العرب والمسلمون نافذة استراتيجية في الصراع؟*
مقدمة:
يشهد الشرق الأوسط مرحلة بالغة الحساسية تتسم بتصعيد مباشر وغير مسبوق بين إيران وإسرائيل، وهو ما يتجاوز “حرب الظل” التقليدية إلى مواجهات قد تعيد تشكيل “هندسة الأمن الإقليمي” (Regional Security Architecture). في خضم هذا التصعيد، الذي يُقال إنه أنهك القدرات الإسرائيلية إلى درجة دفعتها لطلب الدعم المباشر من حليفتها الاستراتيجية، الولايات المتحدة الأمريكية، يتردد بقوة تساؤل حاسم: هل سنحت فرصة استراتيجية سانحة للأطراف العربية والإسلامية، وتحديداً للقضية الفلسطينية، تم إهدارها مرة أخرى بسبب ما يصفه البعض بـ “الغفلة الاستراتيجية” أو غياب الفعل الموحد؟
1. تشريح “لحظة الإنهاك المفترضة” لإسرائيل في ظل المواجهة مع إيران:
التحليلات التي تشير إلى إنهاك إسرائيلي تستند إلى عدة مؤشرات تزامنت مع المواجهة المباشرة مع إيران وتداعياتها:
استنزاف القدرات العسكرية على جبهات متعددة: انخراط إسرائيل في صراع طويل الأمد في غزة، وتوترات على الجبهة الشمالية، ثم المواجهة المباشرة مع إيران (سواء عبر هجمات إيرانية أو ردود إسرائيلية محتملة)، يفرض ضغطاً هائلاً على “اقتصاد القوة” (Economy of Force) الإسرائيلي. هذا يعني توزيع الموارد المحدودة (بشرية، مادية، ذخائر) على أكثر من اتجاه، مما قد يؤدي إلى “إجهاد استراتيجي” (Strategic Exhaustion).
تحديات أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة: حتى أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً لها قدرة استيعابية محدودة، وتعتمد على مخزون من الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن. مواجهة موجات من الصواريخ الباليستية، والطائرات بدون طيار الانتحارية، وصواريخ كروز بشكل متزامن أو متتالٍ يمكن أن تستنزف هذه المخزونات بسرعة وتكشف عن “نقاط ضعف تشغيلية” (Operational Vulnerabilities). الحديث عن نفاد وشيك للذخائر، إن صح، يمثل نقطة تحول خطيرة.
اللجوء إلى الحليف الأمريكي كـ “ملاذ أخير” (Last Resort): طلب إسرائيل المساعدة العسكرية المباشرة أو التدخل من الولايات المتحدة، إذا تم تأكيده، لا يُفسر فقط كجزء من التحالف الاستراتيجي، بل قد يُقرأ أيضاً كمؤشر على أن القدرات الذاتية الإسرائيلية وصلت إلى حدودها القصوى أو أنها تتوقع تصعيداً يفوق قدرتها على التعامل معه بمفردها. هذا يعكس درجة من “الاعتمادية الاستراتيجية” (Strategic Dependency).
تأثير الضغط الدولي وتآكل الشرعية: العمليات العسكرية المطولة، خاصة تلك التي تسفر عن خسائر مدنية كبيرة، تضع إسرائيل تحت ضغط دولي متزايد، مما قد يقيد “حرية العمل العسكري” (Freedom of Military Action) ويؤثر على الدعم الخارجي.
إذا تلاقت هذه العوامل بالفعل، فإنها تشكل لحظة ضعف نسبي لإسرائيل، قد لا تتكرر بنفس الحدة.
2. “غفلة المليار ونصف” في سياق المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية:
في ظل هذا المشهد، تزداد حدة الانتقادات الموجهة إلى العالم العربي والإسلامي بشأن عدم القدرة على استثمار مثل هذه “اللحظات الفارقة”. التساؤل ليس فقط عن دعم القضية الفلسطينية، بل عن القدرة على التأثير في مجريات الأحداث الإقليمية الكبرى:
غياب “الاستجابة الاستراتيجية المنسقة” (Coordinated Strategic Response): بينما تتكشف مواجهة كبرى قد تعيد رسم خريطة النفوذ، يبدو أن ردود الفعل العربية والإسلامية تتسم بالتباين، وفي كثير من الأحيان، بالاكتفاء بالمواقف الكلامية دون ترجمتها إلى “أفعال استراتيجية ملموسة” (Tangible Strategic Actions).
التردد في “استغلال التناقضات” (Exploiting Contradictions): المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية تخلق تناقضات وتحالفات جديدة. هل تم استغلال هذا الوضع لممارسة ضغوط مدروسة لتحقيق مكاسب استراتيجية، أم أن الحسابات القُطرية الضيقة أو الخوف من التورط قد طغى؟
ضعف “أدوات الضغط غير العسكرية” (Non-Military Leverage Tools): حتى بعيداً عن التدخل العسكري المباشر، هناك أدوات ضغط اقتصادية ودبلوماسية وشعبية يمكن تفعيلها بشكل منسق لإحداث تأثير. يبدو أن هناك قصوراً في توظيف هذه الأدوات بفعالية.
“متلازمة المتفرج” (Bystander Syndrome): قد يكون هناك ميل لدى البعض لانتظار نتائج الصراع بين القوى الأكبر، بدلاً من محاولة التأثير فيه أو توجيهه بما يخدم المصالح المشتركة.
إن “العطايا الإلهية”، أو الفرص الاستراتيجية، تتطلب “إرادة سياسية” (Political Will) و “قدرة على الفعل” (Capacity to Act). بدون هذين العنصرين، تظل الإمكانات مجرد أرقام لا وزن لها في معادلات القوة.
3. هل كانت هناك فرصة حقيقية؟ وماذا كان يمكن فعله؟
القول بأن فرصة ضاعت يتطلب تحليلاً دقيقاً للقدرات المتاحة والقيود المفروضة. ومع ذلك، يمكن طرح سيناريوهات افتراضية (مع الأخذ في الاعتبار تعقيدات الواقع):
مبادرة دبلوماسية عربية/إسلامية موحدة وقوية: تستغل الضغط على إسرائيل لفرض واقع جديد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو وقف العدوان.
استخدام “ورقة الطاقة” أو “الأدوات الاقتصادية” بشكل مدروس: للضغط على الدول الداعمة لإسرائيل أو لإجبارها على تغيير سياساتها.
تقديم دعم لوجستي أو سياسي أو إنساني فعال للفلسطينيين: يعزز صمودهم ويغير من ميزان المعاناة.
بناء “جبهة ضغط شعبي وإعلامي” منظمة: لكشف الممارسات الإسرائيلية والتأثير في الرأي العام العالمي.
الأمر لا يتعلق بالضرورة بالتدخل العسكري المباشر الذي قد يكون له تداعيات كارثية، بل “بالاستخدام الذكي للقوة الشاملة” (Smart Utilization of Comprehensive Power) المتاحة.
خاتمة: من “إدارة الأزمات” إلى “صناعة المستقبل”
إن تكرار الحديث عن “الفرص الضائعة” يجب أن يتحول إلى دافع لتغيير النهج من مجرد “إدارة الأزمات” (Crisis Management) بردود فعل متأخرة، إلى “استراتيجية صناعة المستقبل” (Future-Shaping Strategy). هذا يتطلب:
إعادة تعريف “المصلحة القومية/الإسلامية العليا” بشكل يتجاوز الحسابات القُطرية الضيقة.
الاستثمار الجاد في بناء “القدرات الذاتية” في كافة المجالات، وتقليل الاعتماد على القوى الخارجية.
تطوير “آليات تفكير استراتيجي مشترك” قادرة على قراءة التغيرات الدولية والإقليمية بدقة وسرعة.
التحلي بـ “الشجاعة الاستراتيجية” لاتخاذ قرارات صعبة قد تكون ضرورية لتحقيق أهداف طويلة الأمد.
المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية، بغض النظر عن نتائجها المباشرة، هي تذكير آخر بأن منطقة الشرق الأوسط تمر بمخاض عسير، وأن اللاعبين الذين يمتلكون الرؤية والإرادة والقدرة هم من سيساهمون في تشكيل معالمها الجديدة. أما الغفلة أو التردد، فثمنها سيكون المزيد من الفرص الضائعة وتعميق حالة التيه الاستراتيجي.
حسان سعد بشارة
خبير استراتيجي في شؤون الشرق الأوسط والأمن العسكري