*حينما يترك الناس نهبًا للتكهنات تتولد الرسائل السالبة* بقلم د. إسماعيل الحكيم
*حينما يترك الناس نهبًا للتكهنات تتولد الرسائل السالبة*
بقلم د. إسماعيل الحكيم
Elhakeem.1973@gmail.com
إنّا في زمنٍ باتت فيه المعلومة السريعة قوةً توازي السلاح ويصبح الصمت الرسمي في قضايا حيوية أشبه بجريمة مكتملة الأركان. فالأخبار المقلقة عن فيضان النيل ملأت الأسافير وبلغت كل القرى والحضر، والناس بين قلقٍ متزايد وتكهناتٍ لا تهدأ. وفي المقابل، تقف الوزارة المعنية موقف المتفرج، وكأن على رؤوس القائمين عليها الطير، فلا بيان يشرح، ولا رقم يطمئن، ولا خطة واضحة تُدار بها الأزمة.
إن غياب البيان الرسمي في لحظاتٍ كهذه يفتح الباب على مصراعيه لمتكسّبي الوسائط الاتصالية، أولئك الذين يحسنون السباحة عكس التيار، ويبرعون في صناعة الضجيج وإشاعة الهواجس ويملأون الفضاء برسائل سالبة لا تغني ولا تسمن من جوع ، ويغذّون المخاوف في مجتمعٍ مثقلٍ بالأزمات والفاقات. وما كان لذلك أن يجد أرضًا خصبة لو أنّ الجهة المسؤولة أدّت واجبها الطبيعي في إعلام الناس بالحقيقة مدعومة بالأرقام، موثوقة بالمستندات، ومسنودة بالتوقعات.
إن أبسط مقتضيات المسؤولية في مثل هذه الكوارث الطبيعية أن تخصص الوزارة مساحةً معتبرة عبر وسائل الإعلام المختلفة لتوضيح الموقف، وشرح السيناريوهات المحتملة، وكيفية الاستعداد لها. فالناس لا يطلبون المعجزات، إنما يسألون الشفافية والصدق، حتى وإن كان القادم صعبًا، لأن المعلومة الصادقة هي التي تصنع الوعي الجمعي وتخفف من وقع المصيبة، بينما الغموض يصنع البلبلة ويضاعف الأضرار.
لقد أثبتت التجارب أن غياب الإعلام الرسمي المنظم يترك المجتمع فريسةً للتأويلات، ويحوّل قنوات التواصل الاجتماعي إلى برك آسنة من الشائعات والمبالغات. ولئن كان الفيضان قوةً طبيعية لا سبيل إلى دفعها، فإن فيضان الإشاعات من صنع أيدينا، ولا يُعالج إلا بسياسة إعلامية جادة، تعطي كل ذي حقٍ حقه تعطي المواطن حق المعرفة، والدولة حق التقدير، والإعلام حق الممارسة المسؤولة.
ويبقى السؤال متى تدرك المؤسسات اارسمية أن الكلمة المدعومة بالعلم والرقم والتقدير، هي الحصن الأول أمام الأزمات، وأن السكوت في زمن الفضاء المفتوح ليس وقارًا، بل هزيمة؟ وأي هزيمة ؟