خبـر و تحليـل :عمـار العركـي *زيـارة إريتريـا… تحديات وعقبات التقارب*
خبـر و تحليـل :عمـار العركـي
*زيـارة إريتريـا… تحديات وعقبات التقارب*
* تشهد منطقة القرن الأفريقي اليوم مرحلة تحول استراتيجي غير مسبوقة تعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي والدولي في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية وتأثيراً. فالتحولات الجارية حول البحر الأحمر وممراته، وتزايد التنافس على الموارد والمواقع الاستراتيجية، تكشف أن المنطقة تسير بخطى متسارعة لتكون الامتداد الجديد لصراعات الشرق الأوسط، خصوصاً مع ما يتشكل من سباق محتدم لإعادة توزيع مناطق النفوذ بين القوى الكبرى والإقليمية.
* في هذا السياق جاءت الزيارة الأخيرة إلى أسمرة بقيادة د. كامل إدريس ووزيري الخارجية والإعلام كزيارة استثنائية ومفتاحية تختلف عن الزيارات السابقة على قلتها، والتي لم تتجاوز خمس زيارات منذ التغيير، وجميعها كانت على مستوى رئيس مجلس السيادة أو نائبه. هذا التمايز في الشكل والمضمون يشير إلى أن الزيارة تمثل محاولة جادة لإعادة ترميم العلاقة مع دولة تُعد من أكثر جيران السودان ارتباطاً بمصالحه وأمنه القومي. فإريتريا ليست مجرد دولة حدودية، بل بوابة السودان الشرقية ومفتاح أمنه في البحر الأحمر، كما أن موقعها الجيوسياسي يجعلها عنصراً محورياً في معادلة القرن الأفريقي.
* لقد فتحت الزيارة نافذة أمل لتصحيح مسار العلاقة التي طالما أحاطت بها الشكوك والظنون، وتجاوز العقبات المصطنعة التي تعمل بعض الأطراف على ترسيخها للحيلولة دون أي تقارب حقيقي بين الدولتين، بما يتيح إعادة بناء العلاقة على أسس من الثقة والمصالح المشتركة. غير أن طريق التقارب لن يكون سهلاً، إذ تواجهه تحديات داخلية وإقليمية معقدة.
* فعلى الصعيد الداخلي، تعاني العلاقة من إرث طويل من التباين في الرؤية السودانية الرسمية حول إدارة ملف العلاقات مع إريتريا، إذ ظل هذا الملف لسنوات خاضعاً لاجتهادات متباينة بين الأجهزة و المؤسسات المعنية، وجهات وواجهات مختلفة، مما أضعف وضوح الرؤية وأفقد العلاقات توازنها واستمراريتها. وقد آن الأوان لتجاوز هذا الإرث عبر بناء سياسة خارجية مؤسسية موحدة تُدار من منظور استراتيجي لا تكتيكي، تُعلي المصلحة الوطنية على الحسابات الجزئية أو الظرفية.
* أما على الصعيد الإقليمي، فهناك قوى وأطراف عديدة لا تنظر بعين الرضا لأي تقارب سوداني–إريتري، إذ ترى فيه تهديداً لمصالحها أو تقليصاً لنفوذها في الإقليم. ومن أبرز هذه القوى إثيوبيا، التي تتابع بحذر أي تطور إيجابي بين الخرطوم وأسمرة، وكذلك الإمارات التي تنظر إلى أي تقارب سوداني–إريتري، باعتبار الدولتين تمثلان دولتي مواجهة لها في المنطقة، على أنه تهديد مباشر لنفوذها ومشروعاتها التوسعية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. فضلاً عن أطراف أخرى فاعلة تسعى لتثبيت حضورها في موانئ المنطقة وممراتها الاستراتيجية، مما يجعل هذا التقارب محاطاً بتقاطعات إقليمية معقدة تتطلب إدارة ذكية ومتوازنة من الخرطوم وأسمرة معاً.
* من هنا، تبرز أهمية الإسراع في تنفيذ مخرجات الزيارة وتحويلها إلى خطوات عملية على الأرض، بدءاً من التنسيق الأمني والاقتصادي، ووصولاً إلى بناء آلية دائمة للتشاور السياسي بين البلدين. فالتباطؤ أو التردد في هذا المسار قد يمنح الأطراف المناوئة فرصة لإجهاض التقارب في مهده.
*_خـلاصـة الـقـول ومـنتهـاه_ :*
* إن زيارة إريتريا المفتاحية تُعد اختباراً حقيقياً لقدرة السودان على إدارة علاقاته الإقليمية برؤية جديدة مستقلة ومتماسكة، تراعي ضرورات الأمن القومي ومصالح السودان الاستراتيجية، وتواجه التحديات والعقبات الماثلة. والبداية تكون بتحويل هذه الزيارة إلى مسار دائم يمنح السودان فرص تعزيز أمنه القومي وقوة إضافية في معادلة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، أما الفشل في ذلك فسيعيد إنتاج ذات الحلقة القديمة من التباعد وسوء الفهم التي عطّلت التقارب لعقود.