*عربان الشتات ومخطط الاستيطان 2* *أخطر تقرير عن المخطط العالمي الخبيث لغزو السودان*
*عربان الشتات ومشروع اعادة توطينهم في السودان*
*الجزء الاول (2)*
*كتب: د.الدرديري محمد احمد*
غير ان اليهود هم من اولوا هذه الهجرات اهتماما اوسع ودرسوها بالطرق العلمية الحديثة ليقفوا على واقع وخصائص شعوب الشتات العربي ويتبينوا أنجع السبل للتعامل معها وكيفية توظيفها لخدمة اغراضهم. فأنفقوا في ذلك الملايين. ونتجت عن جهدهم مكتبة تضم المئات من الدراسات التي اتبعت في اعدادها أفضل مناهج علم الاجناس Anthropology وتقنيات الحمض النووي .DNA وبينما أتيح قسم من هذه الدراسات للدارسين عبر محركات البحث الأكاديمي بالأنترنت، فهناك ما هو مصنف تحت درجات السرية العالية. واذكر من
الدراسات المفتوحة دراسة لتوماس ليفي وأوغستين هول نشرت عام ٢٠٠٢ في مجلة Journal of Anthropological Archeology . عقدت تلك الدراسة مقارنة بين هجرة اليهود الى ارض كنعان حوالي ١١٠٠-١٣٠٠ قبل الميلاد وهجرة اعراب جذام الى شمالي الكاميرون ونيجيريا خلال
الفترة من ١٠٥٠ -١٣٩٠ ميلادية، ممن يعرفون حاليا باسم “عرب الشُوا” Shuwa Arabs. الاطروحة الاساسية التي تثبتها تلك الدراسة هي أن الهجرات تمثل قوى فعالة في تكوين هويات الشعوب. فالهجرة الرئيسة لشعب ما تترسخ في “الذاكرة الجمعية” لذلك الشعب وتشكل شخصيته. فمثلما ان رحلة التيه عبر صحراء سيناء قد شكلت هوية الإسرائيليين فان الهجرة لأربعة قرون بمحاذاة حوض النيل ثم وادي الملك هي العامل الحاسم في تكوين هوية عرب الشوا بشمال الكاميرون. وبالرغم من تباعد النموذجين موضوع الدراسة تم التوصل الي انه في الحالتين كانت للهجرة الطويلة ذات الاثار على تشكيل هوية الشعبين.
دخل عربان الشتات لأول مرة في معادلات السياسة الدولية عام ٢٠٠٣ حين تم استخدام قسم منهم لإشعال فتنة دارفور. ثم توسع نطاق استخدامهم في عملية عاصفة الحزم التي أطلقت في مارس ٢٠١٥. حيث تم استجلابهم الى اليمن تحت مظلة الدعم السريع ليكسروا شوكة الحوثيين. واخيرا أتي بهم لاجتياح الخرطوم. وفي هذه المرة يتضمن السيناريو جعل السودان وطنا بديلا لهؤلاء العربان لتغيير التركيبة السكانية فيه على نحو يخلخل المجتمع السوداني التقليدي. ومشروع إعادة توطين عربان الشتات بالسودان جزء من مشروع كبير يهدف لإبدال النخبة السياسية في بلاد الواق واق بنخبة علمانية المزاج. نخبة تهيئ لتجاوز الثقافة التي ولدت لاءات الخرطوم الثلاث، تلك اللاءات التي لا تزال اسرائيل تعتبرها شوكة في خاصرتها. بل نخبة تتجاوز ما يسميه البعض “سودان ٥٦”. وإذا كان تغيير النخبة السياسية هو مشروع الغرب كله، تقوده امريكا وتقرها عليه اوروبا وتحركه إسرائيل من وراء ستار، فإن لفرنسا مشروعا خاصا بها ترجو تحقيقه بإعادة توطين عربان الشتات بالسودان. فهي ترغب في التخلص من هذه المجموعات العرقية التي ترفض الاندماج في مجتمعاتها المحلية في الامبراطورية الفرنسية بغرب افريقيا وتنشط في تهريب البشر والاتجار في الاسلحة الصغيرة وترتبط بمنظمات ارهابية من شاكلة بوكو حرام وبعصابات اجرامية عابرة للحدود. خلال العامين الاخيرين دخل تنفيذ هذه العملية مراحل متقدمة، وتولاه ميدانيا نفر مرتبطون بالأمارات ومن خلالها بفرنسا واسرائيل. اذ تولى الاشراف العام على تنفيذ المخطط محمد صالح النظيف وزير خارجية تشاد الحالي، الذي ينحدر من ماهرية تشاد. وقد كُلف في مارس ٢٠٢١ (بدعم معلن من فرنسا، وبتدبير خفي من الموساد ولا شك) بشغل منصب “الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في منطقة غرب أفريقيا ومنطقة الساحل”، ذلك ليدير كامل المسرح على اتساعه ببشره وبُجره. وتزامن تكليف النظيف مع انتخاب محمد بازوم رئيسا للنيجر في ابريل ٢٠٢١، ايضا بترحيب معلن من فرنسا. هذا رغما عن ان الأقلية العربية في النيجر لا تكاد تبلغ ١٪ من سكان تلك البلاد. بالطبع توافق هذا كله مع تولي حميدتي منصب نائب الرئيس في السودان. ولا ننسى ان حميدتي، وليس البرهان، هو الذي تلقى دعوةً للسفر للنيجر لحضور حفل تنصيب بازوم. ما ان سلس القياد لهذا الثالوث حتى تكثفت الدعاية في تشاد والنيجر ومالي لتوطين عربان الشتات بالسودان. وتقبل العربان الفكرة خاصة انها جاءت مصحوبة بضمان ان من يجندوا سينتدبون لليمن. فذلك امر تبينوا جدواه، اذ تغيرت حيوات من عادوا من اليمن وتحققت احلامهم. وهكذا انطلق المشروع حثيثا. فما هي الا أشهر قليلة حتى تم نشر ماكينات اصدار البطاقة القومية السودانية وجواز السفر السوداني شرقي النيجر وجنوبي ليبيا. وبالطبع ربطت هذه الماكينات عبر الاقمار الصناعية بشبكة السجل المدني في الخرطوم. فاذا صدر الرقم الوطني المعين من موقع بالنيجر او الكفرة لا يعاد اصداره مرة أخرى بالسودان، بل يبدو وكأنه قد صدر من البينية او مجمع الخدمات بالسجانة او غير ذلك من المواقع. وهكذا حصلت اعداد لا يعلمها الا الله على الرقم الوطني السوداني وكذلك جواز السفر. ثم بدأت الخطوة التالية والتي هي ادخال عشرات الآلاف
من هؤلاء الشبان “السودانيين” الى موطنهم الجديد ونقلهم مباشرة لمعسكرات تدريب قوات الدعم السريع بزعم اعدادهم للالتحاق بالفرق المقاتلة في اليمن.
هؤلاء هم عربان الشتات. وهذه هي المؤامرة التي اتت بهم لدورنا في الخرطوم ومدننا وقرانا في دارفور وكردفان ومكنتهم من ارتكاب الفظائع المعلومة التي يندي لها الجبين. غير ان هذه المؤامرة لم تكتمل فصولا بعد، فهي ترمي لتوطينهم في السودان وليس لمجرد اجتياح القيروان. “فهناك حرب لابد من خوضها في هذه البلاد، ضد هؤلاء الذين تجرأوا كثيرا”.
في الجزء الثاني من هذا المقال نطرح رؤيتنا عن كيف يكسب شعبنا هذه الحرب، بعد ان كسب جيشه معركة الخرطوم. فماذا نحن فاعلون لنحول دون خلخلة مجتمعنا ولنمنع تكرار غزو عربان
الشتات ديارنا وتوطنهم فيها .
٢٦ يونيو ٢٠٢٣.
عربان الشتات وكيف نحبط مشروعهم الاستيطاني
( الجزء الثاني )
الدكتور الدرديري محمد أحمد
في غرة رمضان ٤٤٩ هجرية (١٠٥٨ ميلادية) اجتاح الهلاليون اسوار مدينة القيروان المنيعة التي استعصت على الرومان لأربعة قرون. فاستباحوها وعاثوا فيها فسادا وفجورا وأجلوا عنها اهلها. كانت تلك المدينة، التي أنشأها الصحابي عقبة بن نافع، منارا انطلقت منه بعثات تعليم اللغة العربية ونشر الدين الاسلامي في المغرب العربي كله. فقد ألّف قاضيها سحنون المدونة في الفقه المالكي. وكتب ابن ابي زيد رسالته ونوادره في رحابها. وخط فيها البراذعي تهذيبه. وكانت عظيمة الثراء، فهي المركز التجاري الاول في المغرب العربي كله. لكن الهلاليون قد تركوها اثرا بعد عين. غير ان ذلك لم يكن هو أخطر ما حاق بالقيروان. فالأسوأ منه هو ان القيروان لم تتمكن من ان تنهض من كبوتها. وقد سجل الرحالة الذين عبروا بها بعد سقوطها بعدة عقود، من امثال الادريسي وابن سعيد والعيدري، كيف انهم وجدوها قاعا صفصفا وقد اندرست معالمها ويبست بساتينها وحطمت قصورها واحرقت دورها وسقطت مئذنة جامعها الكبير ومحرابه الشهير، الذي كانت تضبط على اتجاهه محاريب المغرب العربي كلها. بل بسقوط القيروان انطفأ نور المغرب العربي وتلاشى دوره في العالم الاسلامي، وصار للعالم الاسلامي مركزان أحدهما مشرقي (فاطمي وعباسي) والآخر اندلسي. ودخلت بلاد المغرب العربي فترة كئيبة في تاريخها سميت “حقبة الظلام”. اما الخليفة الفاطمي المستنصر ووزيره اليازوري، الذين دفعوا بالهلاليين لتغريبتهم (مزودين كل واحد منهم بحصان ودينار) فلم يبالوا بما حاق بأهل القيروان او مدينتهم. ولم يضعوا اعتبارا لرابطة الاسلام ولدور القيروان الكبير في خدمته.
أترك للقارئ تسمية من دفعوا بعربان الشتات “لتشريقتهم” إلينا. وأسميها “تشريقة”، مقابل “تغريبة” الهلاليين، لأن الغزاة الذين أتونا قد انطلقوا شرقا وليس غربا. واترك للقارئ كذلك استحضار ما زود به مستنصر هذا الزمان الغزاة من عدة وعتاد مما ذاع خبره. ولا شك ان القارئ يتفق معي ان من دبروا هذه “التشريقة” لن يبالوا بما لحق بالخرطوم واهلها، ولن ينفقوا درهما او دولارا لإعادة اعمارها، ولن يأبهوا إذا اندثر السودان وعفا اثره. هذا رغم ان السودان “جزء من المجتمع الدولي” كما كان يقول حمدوك، ورغم انه ملتزم بالتوقيع وشيكا على الاتفاقيات الابراهيمية، ورغم انه اجتهد لاسترضاء امريكا والسعودية بقبوله وساطتهما.
فاذا كان بنو السودان يعتبرون بمصائر من سبقهم من الامم، وإذا كانوا عارفين بالطبيعة المتوحشة للإقليم الذي فيه يعيشون، وإذا كانوا مدركين لشراسة المجتمع الدولي ومَكره الكُبَّار، فانه لا ينبغي لهم التعويل الا على الله وأنفسهم إذا أرادوا لبلادهم أن تقف على قدميها ولعاصمتهم ان تعود رياضاً غناء على مقرن النيلين. وأول مقتضيات ذلك هو ألا يسمحوا لما حدث بأن يشتت جمعهم ويفرق كلمتهم. فعليهم ان يسدوا المنافذ لمنع هذه “التشريقة” من ان تتكرر. ونخصص هذا الجزء من المقال لاستقصاء ذلك.
حرص من نظموا هذه “التشريقة” على الاستفادة من المسميات القبلية المشتركة لعربان الشتات مع بني عمومتهم من قبائل جهينة بالسودان. فكان الغطاء الذي استخدم لتنفيذ هذا المشروع الاستيطاني هو ادماج عربان الشتات في قبائل جهينة السودان ذات الأسماء القبلية المطابقة لمسميات قبائل عربان الشتات. فعربان الشتات ينتسبون الى الجد الأكبر “جنيد” الذي هو أيضا جد مجموعات كبيرة تستوطن دارفور وكردفان والنيل الأبيض. ويشمل ذلك الرزيقات والمسيرية والحوازمة والمحاميد والماهرية واولاد راشد وبني هلبة والتعايشة والهبانية والسلامات وخزام وسليم واولاد حميد. ويحظى اسم “جنيد” باحترام كبير في الذاكرة الجمعية لهذه القبائل. لذا أسس من نظموا “التشريقة” المئات من المنصات الاجتماعية والإعلامية في الفضاء الإسفيري تحمل اسم جنيد. واستأجروا المقار لذلك الكيان القديم الجديد. وسميت كبرى شركات آل دقلو “شركة الجنيد”. ثم نفضوا الغبار عن ذكرى “عطية” و”حيماد”، إبني جنيد، وجعلوا بإسميهما تمظهرات سياسية لكيانين فرعيين. ولكن شتان بين أبناء جهينة السودان وعربان الشتات. فبسبب الهجرات التي تطاولت زمانا وتباعدت مكانا تباينت المجموعتان تباينا كبيرا رغم وحدة الأصل والاسم، فاتخذتا طرائق قددا وصارت لكل منهما شخصيتها وهويتها الخاصة. تلحظ ذلك في اختلاف اللهجات وطرق التحية والمأكل والملبس والنظافة الشخصية والمحكيات التراثية. كما تلحظه في رقة الدين لدى عربان الشتات وجهلهم بالشعائر والشرائع وبغضهم للغريب وعنصريتهم المفرطة وضعف دور المرأة لديهم
سنواصل في الجزء الأول(2)