عز الدين أبو جمال يكتب: مقالات في سسيولوجيا الواقع (3)
عز الدين أبو جمال يكتب:
مقالات في سسيولوجيا الواقع (3)
تظل الحرب واحده من اكبر المهددات التي تصيب المجتمعات بتدميرها لكل ماهو مادي وتعصف بكل ماتم بناؤه في سنين بل في قرون يذهب بغمضة عين. وبعيد ايقاف الحرب قد يتم اعادة ماتم تدميره ربما في سنوات قليلة.
لكن التدمير الذي يظل ويبقي هو ذلك الشرخ المجتمعي المرتبط بقيم الحضارة وسلوك البشر يظل تتوارثه الأجيال جيل بعد جيل ويبقي حاضرا في كل الممارسات الانسانية المتخالطة يعبي بها غبن العقول وحقد القلوب فتقعد المجتمع عن المضي في البناء الاساسي والعمران المدني.بعيدا عن السلوك الحضاري الذي يمهد لمجتمع التعايش والتشافي بعد الحرب.
سؤال مفتاحي هل هناك مجتمعات قابلة للتشظي تسكنها القابلية الانقسام ؟؟؟!
وهل للسلوك الحضاري دور في تقسيم المجتمعات ؟؟؟؟!
يعبر السلوك الحضاري على السلوكيات التي تتفق مع معايير المنطق والعقل السليم ، ومع القواعد العامة التي يتعارف عليها المجتمع المتجانس ثقافياً واجتماعيا ، ومع الأعراف العامة في ذلك المجتمع ، ومع قواعد الدين التي تنظم السلوك الإنساني ، والسلوك نوعان : السلوك الحضاري ، والسلوك غير الحضاري ‘ المتخلف ‘ ويعد السلوك الحضاري مظهراً من مظاهر وعي المجتمعات وتقدمها ، ويحكم على الأفراد بالتحضر أو التخلف من خلال السلوكيات التي تصدر عنهم ، والتي تمثل وعيهم وثقافتهم ، ودرجة التزامهم بالمعايير والمرجعيات التي تنظم علاقات أفراد المجتمع وسلوكهم .
والحضارة الإسلامية جعلت السلوك الحضاري منهجا كليا للقيم الإنسانية حيث أن السلوك الحضاري هو “جوهر الكليات المقاصدية للشريعة الإسلامية من حفظ الدين و النفس والمال إضافة إلى حفظ العقل و النسل والعرض و هي كليات تتم حمايتها وحفظها عندما تغيب السلوكيات العنيفة والمشينة و يتم التخلص من الاستعجال و عدم التخطيط و غيرها من السلوكيات غير السوية التي تؤثر سلبا على الحياة العامة”.
الصفة الملازمة لأي مجتمع تأتي في وصفها المباشر اقترابا أو ابتعادا من السلوك الحضاري لذلك المجتمع ،بالتالي تعرف المجتمعات نفسها بناءاً علي قيمها السلوكية.
وكثيرا ماعبر السودانيين عن قيم خلطت فيها بين الميزات الفردية وسلوك النسق الاجتماعي وهي واحده من اعقد صور المجتمعات التي تقع في منطقة الميوعة الحضارية (راجع المقال السابق)
بالتالي تظل المعايرة مختلة بين الوصف الفردي والسلوك الجمعي ولعل أهل الحضارة السودانية أصحاب التفرد في حمل الصفات ذات المدلولات الفردية امتزاجا في نسق مجتمعي ذو سلوك حضاري رفيع ينبع من قيمة حضارية ضاربة في القدم تعاقبت عليها تجارب وخبرات العديد من الحضارات الإنسانية
وعلي ذلك الثقل والخبرات والتجارب أصبحت عنوانا لهذه الصفات واصبحوا هم سفراء يحملون هذه الهويه (القطرية) فكانوا نموذجا متفردا سواء المغتربين في الخليج أو حتي في الغرب.
بناءاً على ماسبق لابد من الإجابة علي سؤل مهم جداً هل هذه الصفات التي ميزت المجتمع السوداني لعقود من الزمن ظلت كما هي ام حدث تغير ؟؟!
بكل تاكيد الإجابة بان هناك تغير حدث بشكل لافت وكبير ،كما ذكرنا في المقال السباق ان التغير الإجتماعي في الماضي كان يحدث دون شعور لافت ولربما لا نلاحظ الفوارق التي تحدث بين الأجيال فيكون التغير بين جيل وجيل طفيف وقد اخذ زمن طويلا لنشعر به.
لكن بعد الثورة المعلوماتية والتكنولوجية في العالم اجمع أصبح التغير يحدث في وقت وجيز والفارق بين الجيل والاخر كبير جدآ.
اضف الي ذلك ان الغلبة العددية للمجتمع الغير متحضر علي حساب المجتمع المتحضر خاصة في منطقة الميوعة الحضارية تتغلب الكثافة العديدة في نسق المجتمع وتتجرا الظواهر الغير حضارية علي الأخري بل قد تذهب لابعد من ذلك لتصير نمطاً حياتيا تظهر معالمه في السلوك الفردي وتجبر النسق الاجتماعي علي التماهي معه عندما تتوفر لها البيئة المناسبة ( تغير سياسي)
واخطر من ذلك الغلبة بالقوة كما في الحروب ذات الطابع الاستئصالي حيث يحكم علي المغلوب بالموت او التهجير.
مظاهر تغير النسق الاجتماعي السوداني:
أولا: استخدام اللغة المهذبة:-
وهنا نعني الشارع العام بكل تفاصيله حياته اليومية ومعايشة الناس في كل ماهو متاح التعامل الجمعي فيما بينهم لعل السنوات الأخيرة تلاحظ بشكل ملفت مايعرف بالتلوث السمعي في التلفظ بكلمات خادشة للحياة فاصبح الشارع واحداً من مهددات النسق الاجتماعي اللذي كان اداة من دوات التربية والرعاية، فاصبح اكبر هم للأسرة لمتابعة الأبناء من صحبة وجيرة واختيار المدرسة ذات البيئة الصالحة وغيرها من الهموم.
ثانيا : الإهتمام بالآخرين:-
المجتمع السوداني يعرف عنه انه مجتمع (التكافل والنفير) ولعل هذه الصفات كانت متلازمة للنسق الذي شب علي هذا النهج فاصبح ينحصر في نطاق يضيق يوماً بعد يوم حتي في الأرياف بات ينحصر التكافل في محيط اصاحب القرابة من الدرجة الأولى اما النفير تكاد معالمه بدأت تختفي في الأجيال الجديدة
ثالثاً:- الاستماع بانصات واهتمام:-
ملاحظ في الشارع العام في اماكن العمل في المناسبات الكل يتكلم لاحد لدية الإستعداد لسماع الآخر الكل لديه وجهة نظر وغير مهتم بسماع وجهه نظر أخري الكل يفهم كل شي والآخر لايفهم شي. المدقق والذي يلاحظ لمثل هذه الظاهرة الصوتية يدرك أن لغة الحوار تذهب في اتجاه وأحد ولاتعود بنفع وهي معادلة (صفرية) معيبة.
رابعاً: إدارة الصراع ( بعد أن غاب التعاقد الاجتماعي)
لفترات طويلة جدآ كانت الصراعات عند اهل السودان تدار بخلفية تعاقدية مزجت فيها بين قوانين مدينة وأحكام عرفية ظلت محل تدافع لعقود من الزمن وهي نتاج هذه الميوعة الحضارية التي وجد فيها السودان. علي كل المحاولات التي أجتهد فيها اهل السودان لتكون محل التقاء الا انها ظلت واحدة من تأجيج الصراعات بين كل المكونات خاصة في مناطق الانعدام الحضاري.
واكبر انعكاسات هذه الطريقة في التعامل مع الصراعات عدم استقرار النظام السوداني علي نهج يقوم علي قوانين مدنية محمية بتشريعات وفقاً لدستور جامع يضمن كل حقوق اهل السودان .
خلاصة القول:
غد يري الكثيرين أننا ربما نتجني في بعض الوصف لشعبنا ، لكن للحقائق والدلالات الأخلاقية العلمية لابد أن نكون أكثر جرأة وشجاعة في تلمس مواطن الداء حتي نقدم التشخيص الأمثل لوصف الدواء وأن لا نتعامل بالعاطفة المجردة دون امعان العقل التفسيري لتشريح الواقع الذي بين يدينا.وهنا لابد أن نقدم هذه التساؤلات لنجيب عليها بكل شفافية!!!!
هل السوداني الذي يتمتع بالرقي الإنساني والأخلاق العالية،وصفات الصدق والأمانة والمرؤة ويعمل ذلك وهو لا ينتظر حسنة وجائزة يظفر بها في الدنيا، وانما يبتقي الآخرة، وهو متحضر كونه يراعي خيارات وحدود وحرية وممتلكات وخصوصية الآخرين ويحترم البشر كأفراد، ويطور الحس الجمالي، ولايقوم بمجرد طاعة الغرائز، ويتألم لتألم المختلف عنه، ويؤمن بالتعايش السلمي، والتسامح كأسلوب حياة
هو عنوان ماتلاحظه في إنسان السودان الحالي ؟؟!!!!!!!
نواصل….
عزالدين ابوجمال
الثلاثاء 13 فبراير 2024
القاهرة