د.عثمان البشير الكباشي يكتب : شباب الفداء
د.عثمان البشير الكباشي يكتب :
شباب الفداء
تشرفت وتبركت صباح الجمعة أول أمس أن أكون ضمن مجلس مبارك مع شباب صالحين . كلهم دون ال30 وغالبهم دون ال25 عاما .
تناولت معهم الافطار على شرف كرامة تماثل جريح منهم للشفاء من بعد اصابته إصابات بالغة وهو يقاتل المليشيا المجرمة على تخوم مدينة الدندر .
تلك المعركة التي قادت لتحرير الدندر ومن بعدها السوكي وصولا الى سنجة وما حولها .
تم إخلاء الجرحى وبينهم بطلنا ،
يبدو بأن المليشيا المجرمة كانت ترغب في أسره لما رأوا شدة بأسه عليهم ، ولكن الله نجاه منهم .
لما زرتهم أول مرة في المستشفى وجدته وبعض مرافقيه من الشباب الذين جمعني بهم مجلس الجمعة الماضية يسعون للترويح عليه وعلى بعض الجرحى قرب باب المستسفى .
حينما تسمعون كلمة ( ترويح ) لا تذهبوا بعيدا ، فكرة الترويح بسيطة ، يوم أو إثنان كل إسبوع يضعون الجرحى على كراسيهم المتحركة خارج العنابر ، الترويحة هى شرب كأس شاى وشم الهواء دقائق معدودات قبل العودة لسرير العلة والجراح .
زيارتي الثانية لهم بالمستشفى كانت يوم العملية رقم 3 التي تجرى لبطلنا .
تشرفت فيها بالسلام على جرحى آخرين ، كلهم حينما تراهم تحتقر نفسك ، وفي ذات الوقت تيقن بأن البلد بخير وألف خير.
مما يلفت نظرك بأن مرافقة هؤلاء الجرحى وممارضتهم تتم عبر إخوانهم ، ولا يتركون مجالا حتى للأسر ، فهم يحنون على أبطالهم الجرحى كحنو الأمهات ، وربما أكثر !!!
تعرفت على آخرين في مجلس ضحى الجمعة أول أمس ، كانت المفاجأة بأن كل هؤلاء الشباب مهندسون ، كل تخصصات الهندسة تقريبا ، ميكانيكا ، مدنية ، إلكترونية، … الخ
كبيرهم كان قبل الحرب قد بدأ عملا تجاريا ناجحا ، تزوج وأنجب ، كانت له سيارة جيدة ، مضى بخطوات مبشرة في السوق ، ولكنه ومنذ أن بدأت الحرب فرغ نفسه لصد العدوان ، ولاهم له الآن سوى ذات الهم أول الحرب ، لايحول عنه ولايبدل .
بقيتهم مؤهلون علميا، شخصياتهم واضحة التميز، لا تخطئهم عين تبحث عن توظيف من يحقق النجاح في سوق العمل الخاص والعام .
بعضهم تقيم أسرهم خارج السودان في أوضاع لا بأس بها .
لكنهم جميعا آثروا الإنخراط في ملحمة فداء للوطن .
نعم فداء الوطن ، الثأر من مغتصبيه ، والتصدي للعدوان الأجنبي هو ما يجمعهم .
صحيح أنهم جميعا متدينون ، علمت بأن لهم نصيب وافر من القران الكريم والذكر والروحانيات .
ولكن لم يجتمعوا أبدا على ولاء حزبي .
بل لاتهمهم اطلاقا صراعات الساسة ، ولا يلتفتون لانشغالاتهم الصغيرة .
أخوين عزيزين من أهل العلم والتجربة ضمهم مجلسنا مع جريحنا البطل ورفاقه الأخيار ، لما انتهى المجلس المبارك تيقنوا بأن الوطن موعود بمستقبل أخضر مادام سيتشكل بدماء وتضحيات وعقول هؤلاء الشباب .
لمأ سألت أمس السبت عنهم ، علمت بأن بعضهم غادر المدينة إلى حيث جبهة مواجهات قتالية ساخنة جديدة ، وهذا شأنهم منذ بداية الحرب ، لايفرغوا من جولة ، إلا ونصبوا لأخرى .
تلك قصة مجلس الصالحين الذي شرفت به .
وطوال ذلك المجلس المبارك وبعده ظلت حاضرة عندي جملة سمعتها قبل نحو أربعين عاما من عمي الراحل الشيخ عبد القادر الشيخ عثمان واصفا شبابا واعدا مشرقا أطلوا على الحياة منتصف الستينات ، كان عمي يقول : أطل أولئك الشباب على الدنيا كطير الجنة .
أول أمس رأيت رأى العين طير الجنة .
هل أصف عطر أخلاقهم الفواح ، أم أصف علو همتهم ومخزون العزة فيهم ، أم أصف ذكاء عقولهم وزكاة نفوسهم ، أم أصف شجاعتهم ومهابة الموت لهم .
العجز عن وصفهم أسلم لي .
بشراك ياوطني .
* الصورة رمزية والمعنى أجل *