د. اسماعيل الحكيم يكتب : *لكنني أفتقد أنساً*
د. اسماعيل الحكيم يكتب :
*لكنني أفتقد أنساً*
أقتبست مقالة رسول الله صلوات وربي عليه في شأن الصحابي الجليل جليبيباً ..الذي افتقده هو يوم نسيه الباقون ..فقد أكدت شريعتنا والسنة النبوية أن ميزان الرجال لا يكون بالحسب والنسب، أو المال والمنصب، أو الصور والمناظر، ولكن بتقوى الله والعمل الصالح ، فأنا أكتب اليوم عن رجل أسير في غياهب المجهول.. لكنه في سويداء القلوب ..إنه أنس عمر .. وما أدراك ما أنس ..
تمر الأيام ثقيلة كأنها الجبال، يتوالى الإعلان عن الأسرى المفرج عنهم عند كل فتح لأرض وتحرير مدينة ، فتقفز القلوب من صدورها ، وتلهث الأعين بحثًا في الوجوه ، لعلّ الغائب يعود، لعلّ الأسر ينكسر، لعلّ الأسرى ينقصون واحدًا، ليزيد العدد في رحاب الحرية. لكننا نعود خائبين في كل مرة، وتظل أقدامنا معلقة بين الرجاء والخذلان، نسمع الأسماء تتلى، لكن اسمه لا يُذكر .
أين هو؟ أين ذاك الأسد الذي لم يعرف التراجع؟ أين ذلك الرجل الشهم الذي كان إذا قال فعل، وإذا وعد أوفى، وإذا صال أرهَبَ عدوه؟
ليس مجرد أسير، بل هو رجلٌ حمل سلاحه بيمينه، وعقله بيساره، ومضى ثابت الخطى، عظيم اليقين، مدركًا أن الوطن لا يُبنى بالأماني والرجاءات، بل بالمواقف الثوابت . كان مقاتلًا جسورًا لا تهزه النائبات، وسياسيًا محنكًا يعرف كيف تُدار الحبكات ، وفارسًا في ميدان الفصاحة والبيان، فلا تزلّ به الألسن ولا تأخذه العزة بالإثم.
لم يكن مجرد عسكري منضبط، بل كان مدرسةً في الرجولة، ومثالًا للغيرة على الدين والأخلاق، لا يرضى بالدنية في شيء، ولا يساوم على المبادئ، ولا يهادن في الحق. كان ينهض حين يتخاذل المترددون، ويقول حين يصمت الجبناء، ويفعل حين يخشى المتخاذلون.
أيها الأسير البطل ، أكنت تعرف أن الغياب سيكون بهذا القسوة؟ أكنت تدرك أن غيابك سيترك في القلب ثقبًا لا يسدّه رجاء، ولا يغلقه صبر؟
لقد طالت الليالي، وتكاثرت الهموم، لكن الأمل في الله لا ينطفئ. قد تكون هناك حيث الظلام دامس، لكنك في قلوبنا شمسٌ لا تغيب. قد تكون خلف قضبان الظلم، لكنك في وجداننا حرٌ لا يُكسر.
مهما طال الأسر، ومهما أطبق الصمت، سيأتي يومٌ تنكسر فيه الأغلال، ويخرج الرجال شامخين كما دخلوا، فيعود كل أسد إلى عرينه، وكل سيف إلى غمده، وكل فارس إلى ميدانه. وحتى يحين ذلك اليوم، ستظل أعيننا تبحث، وقلوبنا تلهج بالدعاء، وذاكرتنا لا تنسى، وموعدنا الحرية. اللهم فك أسر المأسورين ..وتقبل الشهداء في عليين واشف الجرحى وحقق النصر المبين . اللهم آميين ..