منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

عبد الله اسماعيل يكتب : *كادقلي… ذاكرةٌ لا تُقصف !!*

0

عبد الله اسماعيل يكتب :

*كادقلي… ذاكرةٌ لا تُقصف !!*


عُرفت كادقلي بأشخاصٍ لهم قدرةٌ عجيبة على تشكيل وجدانها بنبضهم الحي، أن يلونوا صباحاتها بأحاديثهم المثمرة وحكاياتهم الضاربة في عمق الزمن، ويملؤون لياليها بأغانيهم الطروبة وضحكاتهم العفوية، يرسمون على جدرانها ملامح الألفة والمحبة، ويمنحونها روحًا لا تموت.

*يا تُرى*…

كيف أصبحت المدينة بعد أيامٍ من القصف؟

بعد أنين الجرحى، وصرخات الثكالى، وبكاء الأطفال؟

*كيف صار طعم الصباح فيها؟*

هل لا زالت رائحة القهوة تعبق من بيوت الطين، أم أن النوافذ قد أُغلقت، والمواقد انطفأت تحت ركام الألم؟

كيف صار حال الناس الطيبة في حجر المك، البان جديد، الملكية، قعر الحجر، تافري، كلبا، مرتا، الدرجة الثالثة، كليمو، أم بطاح، السمة، السرف، الزندية، الرديف، والموظفين؟

هل ما زالوا يمارسون ذات الجمال، ويحشدون القلوب دفئًا عبر النفاجات، أم أن الطرقات التي اعتادت أصوات الأطفال غدت خاوية، لا يسمع فيها سوى الصمت والوحشة؟

*كيف أصبح السوق الكبير؟*

هل ما زال الباعة يفرشون بضائعهم على الأرض، ينادون الزبائن بأصواتهم التي تحمل نبرات المكان ورائحته؟
وماذا عن *ستات الشاي* .. أم أن القذائف أسكتت حركتهن وأخرست تلك النداءات، وأغلقت الأبواب على أحلامٍ كانت تتنفس مع كل صباح؟

ماذا عن *“سوق الخضار”،* حيث كانت النسوة يفاصلن في الأسعار بضحكات صافية، وحيث كان الفقراء يجدون حاجتهم دون مذلة؟
هل لا يزال موجودًا، أم أن الغبار قد غطّى كل شيء؟

هل لا يزال *“دكان تبن”* مفتوحًا؟

وهل ما زالت جلسات *“دكان البولاد”* عامرةً بشخوصها الفاعلة، أم أن الرصاص اغتال تلك المجالس كما اغتال حكيمها؟

ماذا عن مخابز العيش في الأحياء؟ هل لا زالت صفوف الناس الطويلة، أم أن الخبز أصبح حلمًا صعب المنال؟

كادقلي التي عرفت الحب، والتي قاومت القهر بالغناء والرقص، *هل ما زالت قادرةً على المقاومة؟*

هل لا تزال الطفلة الصغيرة تركض في أزقتها بثوبها الملون، تضفر شعرها على عجل قبل أن تلحق بصديقاتها؟
أم أن يد الحرب امتدت إليها، كما امتدت إلى أئمة المساجد، إلى النساء، إلى الأطفال، إلى كل روحٍ كانت تحلم؟

*حدثوني عن المدارس*…
هل لا تزال الأجراس تُقرع كل صباح، والطلاب يهرولون إلى صفوفهم حاملين كراساتهم وأحلامهم؟
أم أن الفصول باتت خاوية إلا من الجدران المثقوبة؟

هل لا زال المعلمون يقفون أمام السبورة، أم أن الطباشير تحولت إلى رماد، والمقاعد باتت شهاداتٍ على غياب من رحلوا؟

*حدثوني عن المستشفى*…
هل لا يزال الأطباء يسهرون لإنقاذ الأرواح خاصة *”دكتور الرضي”؟*
أم أن المشرحة غدت أوسع من غرف العلاج؟

هل لا تزال الأمهات يلدن أطفالهن في أمان، أم أن الصرخات باتت بلا جدوى، والأمل يُولد مبتورًا؟

*حدثوني عن الاستاد الداخلي*…
هل الدوري المحلي لا زال منتظمًا؟ وعن ميدان الحرية وميدان السلام… هل لا زال الشباب يمارسون عليهما اللعبة بذات الانضباط والشغف؟

هل لا زال الحكم يرفع صافرة النهاية، أم أن الحرب صفّرت كل شيء؟

*ماذا عن الطرقات الوديعة؟*
عن الأشجار العتيقة، عن الذكريات الحية…

عن *”ود الباشا”* وحبه الأزلي للراديو، هل لا يزال يحمله متجولاً به؟

وعن *”عبدالله كلوش”،* هل لا يزال محتفظاً بقدرته الخارقة في إلتقاط اسرار المسؤولين وكبار الموظفين والتجار؟

ماذا عن *الجدات* اللاتي كنّ يجلسن على أبواب المنازل يحكين قصص الزمن الجميل؟
هل لا زلن هناك، أم أن الصمت حلّ مكان الحكايات؟

*ولماذا؟*…….

لماذا يتعمد *عبد العزيز الحلو* حصار المدينة وقصف الأبرياء *وتعطيل الحياة؟*

لماذا يُهدم البيت الذي لم يكن إلا حضنًا؟

لماذا تُمحى الضحكة من وجه طفل لم يعرف من العالم سوى الحب؟

*لقد أرهقتنا الحرب، وأضعفنا الحصار، لكننا ما زلنا نحلم… نحلم بكادقلي التي نعرفها، كادقلي التي تحتضن الجميع، التي تعرف كيف تضمد جراحها، وكيف تغني للسلام رغم كل شيء.*

*عبدالله إسماعيل*

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.