د. اسماعيل الحكيم يكتب : *بين شبهات الماضي واستحقاقات المرحلة ..كامل إدريس رئيساًً للوزراء*
د. اسماعيل الحكيم يكتب :
*بين شبهات الماضي واستحقاقات المرحلة ..كامل إدريس رئيساًً للوزراء*
بعد أكثر من ثلاث سنوات وتزيد قليلاً من الفراغ التنفيذي، ووسط حرب وجودية ومصيرية تخوضها الدولة السودانية ضد مليشيا متمردة قضت على الأخضر واليابس السوداني ، أعلنت السلطات عن تعيين رئيس وزراء جديد، ليكون الرئيس السادس عشر في تاريخ السودان السياسي ، في خطوة تحمل من الرمزية السياسية قدر ما تحمل من التحديات الإدارية.
لكن ما إن أُعلن عن اسم الرجل حتى انفجرت في الأوساط السودانية عاصفة من الجدل الكثيف ، ليس بسبب المنصب بل بسبب صاحب المنصب وشاغله . فالرجل لا يأتي إلى الكرسي التنفيذي نظيف السجل وطاهر المقدم ولا خالي من الأعباء الوظيفية ، بل مثقلٌ بملفات وشبهات حولها ، بعضها إداري يتعلق بتزوير مستندات رسمية خلال عمله السابق بالأمم المتحدة حسب ما أسفرت الميديا وإفرازتها وهي التهمة التي أنهت مسيرته الأممية بالفصل بعد ٢٤ عاماً. وبعضها الآخر سياسي الطابع والمتكئ ، يرتبط بمواقفه المعلنة من الثورة وتأييده الصريح لتحالف “قحت”، ما يضع علامات استفهام حول استقلاليته وقدرته على إدارة المرحلة بمنطق الدولة لا بمنطق الاصطفاف.
ومع ذلك، فإن منطق الضرورة توقيتاً أقوى من منطق الاعتراض واقعاً.
فالسودان، الذي غابت عنه السلطة التنفيذية طوال (1206) يوماً مذ أن غادر حمدوك مستقيلاً .. لا يمكن أن يستمر بلا رأس يقود حكومته ، وينسّق مؤسساته، ويضع على الطاولة الملفات المعلقة من اقتصاد منهك ، وخدمات غائبة ، ووضع أمني حرج ومشهد دبلوماسي مرتبك. فالفراغ أخطر من الخطأ، ولهذا فإن ملء هذا المقعد – حتى بشخصية جدلية – يعد خياراً اضطرارياً ومطلباً ضرورياً لا ترفاً سياسياً أو وجاهة حزبية ..
إن هذه الخطوة، رغم ما يحيط بها من غيوم الشكوك وتباين الآراء بعثها وبثها الرأي السوداني الحصيف ، تظل في جوهرها ضرورة وطنية في سياق استثنائي. فالمطلوب اليوم ليس الكمال، بل القدرة على إدارة الأزمة باقتدار، وحشد الإمكانات وحسن توظيفها، والعبور بالوطن ومواطنه من محنته إلى بر الدولة ورحاب الوطن .
وإذا كانت الشكوك تطارد الرجل، فإن الرهان الحقيقي يبقى في أفعاله لا في تاريخه ، وفي مدى قدرته على إثبات الجدارة والكفاءة في ميدان مليء بالألغام السياسية والكؤد المجتمعية والمتطلبات العسكرية.
المرحلة لا تحتمل الأخطاء ولا المغامرات، بقدرما تتطلب من رئيس الوزراء الجديد أن يكون قائداً لا موظفاً، رجل دولة لا واجهة شكلية، وأن يكتب بجهده وكسبه في سجله ما يُنسينا ما قيل في ماضيه.
_Elhakeem.1973@gmail.com_