منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

السفير.د.معاوية التوم يكتب : . *حرب الموانئ وتأثيراتها السياسية والأمنية: بورتسودان نموذجاً “١ من ٢”!؟*

0

السفير.د.معاوية التوم يكتب :

. *حرب الموانئ وتأثيراتها السياسية والأمنية: بورتسودان نموذجاً “١ من ٢”!؟*


مقدمة:
تمثل الموانئ البحرية شرايين حيوية للتجارة الدولية والتواصل بين الدول، ومع تزايد أهمية التجارة العالمية، أصبحت الموانئ نقاطاً استراتيجية للنزاعات السياسية والاقتصادية، ومسرحاً لتجاذبات وتقاطعات دولية وإقليمية تهدف للسيطرة على مسارات التجارة والملاحة وتأمين المصالح الجيوسياسية. في هذا السياق، يأتي ميناء بورتسودان رغم محدودية قدراته على تاريخه الممتد وإطلالته المميزة على ساحل البحر الأحمر كنموذج بارز لحرب الموانئ في المنطقة، حيث تصاعدت التوترات حوله بين قوى إقليمية ودولية على خلفية القاعدة الروسية، وتسعى هذه القوى لبسط نفوذها، بالإضافة إلى تنافس إماراتي إثيوبي وتركي يعكس تشابك المصالح في القرن الإفريقي، بدأ يأخذ أشكالا متعددة. وبرزت أهمية هذا الميناء بعيد حرب ال دقلو على السودان في أبريل ٢٠٢٣، والاستغلال البشع لهذا المنفذ الحيوي في معداتها وآلياتها التي جلبها الرعاة للحرب.
أولاً: الأهمية الاستراتيجية لميناء بورتسودان:
يعتبر ميناء بورتسودان البوابة البحرية الرئيسية للسودان، ويشكل المعبر الأساسي لتصدير النفط واستيراد السلع الأساسية. موقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر يجعله محط أنظار العديد من القوى، خصوصاً مع التنافس الدولي على الممرات البحرية التي تربط بين أوروبا وآسيا.
• النقل والتجارة: يمر عبر الميناء أكثر من 90% من تجارة السودان الخارجية، مما يجعله عصب الاقتصاد السوداني، حيث تعتمد عليه معظم صادرات وواردات البلاد.
• القواعد العسكرية: شهد البحر الأحمر سباقاً لإنشاء قواعد عسكرية، مع محاولات روسية وصينية وإماراتية وتركية لتعزيز وجودها في المنطقة، مما يضع ميناء بورتسودان في بؤرة الاهتمام العسكري والإستراتيجي والاستقطاب المستقبلي.
ثانياً: التدخلات الإقليمية والدولية:
حرب الموانئ في بورتسودان ليست بمعزل عن الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي؛ فقد سعت قوى إقليمية مثل الإمارات والسعودية ومصر لتعزيز نفوذها من خلال عقود استثمارية واتفاقيات أمنية، بينما تنافست روسيا والولايات المتحدة والصين على موطئ قدم استراتيجي في المنطقة.
• السعودية: ركزت على تأمين الموانئ لتعزيز نفوذها في البحر الأحمر ومراقبة حركة التجارة والأسلحة، حيث قامت باستثمارات في تطوير الموانئ وتأمين طرق التجارة البحرية.
• روسيا: سعت وما تزال إلى إنشاء قاعدة عسكرية في بورتسودان لتعزيز تواجدها البحري في المنطقة، وهو ما أثار جدلاً داخلياً ودولياً حول أهداف موسكو في البحر الأحمر.
• الصين: تنشط عبر مبادرة الحزام والطريق، وتعتبر بورتسودان نقطة محورية في تأمين طرق التجارة العالمية، حيث تسعى إلى تعزيز وجودها في الموانئ الإفريقية لضمان تدفق السلع والبضائع بشكل آمن.
ثالثاً: إثيوبيا وميناء بورتسودان:
تعد إثيوبيا دولة حبيسة بلا منافذ بحرية، وتعتمد بشكل شبه كامل على ميناء جيبوتي لتأمين تجارتها الخارجية. ومع ذلك، سعت أديس أبابا في السنوات الأخيرة إلى تنويع خياراتها البحرية، وكان ميناء بورتسودان أحد الخيارات الاستراتيجية لتعزيز هذا التنويع . وعلى نحوها تشاد وجنوب السودان :
• التعاون الاقتصادي: سعت إثيوبيا لإبرام اتفاقيات مع السودان لاستخدام بورتسودان كمعبر إضافي، خصوصاً خلال الأزمات مع إريتريا و جيبوتي.
• التنافس الإقليمي: محاولات إثيوبيا للوصول إلى بورتسودان تضعها في مواجهة غير مباشرة مع إريتريا وجيبوتي، حيث تخشى هذه الدول من فقدان نفوذها التجاري والاقتصادي.
• سد النهضة وتأثيره على التعاون: الخلافات السياسية حول سد النهضة ألقت بظلالها على العلاقات الاقتصادية، مما حدّ من التعاون السوداني الإثيوبي في مجال النقل البحري.
رابعاً: تجربة الإمارات في التمدد واستغلال موانئ البلدان:
1️⃣ استراتيجية النفوذ البحري:
• الإمارات تبنّت سياسة التوسع في الموانئ الدولية عبر شركة “موانئ دبي العالمية”، التي تدير أكثر من 90 ميناءً في 60 دولة، توجه وراءه ما وراءه.
• الهدف هو تعزيز النفوذ التجاري واللوجستي والتحكم في طرق التجارة العالمية.
2️⃣ السيطرة على الممرات المائية الحيوية:
• تركز الإمارات على الموانئ في البحر الأحمر، خليج عدن، المحيط الهندي وشرق إفريقيا، مثل: بورتسودان في السودان، حيث سعت للاستحواذ على منفد بحري لمدة ٩٠ عاما في العام ٢٠١٦ عبر شركة مخابراتية مسجلة بالفلبين وتم كشف الصفقة وألغيت من قبل حكومة السودان وقتها .وميناء بربرة في الصومال، وميناء عدن في اليمن.
3️⃣ الأبعاد الاقتصادية والاستراتيجية:
• توفير ممرات تجارية آمنة ومختصرة لبضائعها، مع ضمان موقعها كمركز إقليمي للتجارة. خاصة في ظل ما يواجهه مضيق عدن من اعتراضات من قبل الحوثيين.
• استخدام الموانئ لتعزيز النفوذ السياسي والضغط الاقتصادي في البلدان المضيفة.
4️⃣ التأثير على سيادة الدول:
• استغلال هشاشة الأوضاع السياسية والاقتصادية في بعض الدول للتفاوض على عقود طويلة الأمد، اليمن مثالا.
• في بعض الحالات، أدى ذلك إلى توتر سياسي، مثلما حدث في جيبوتي التي أنهت عقد الإمارات لإدارة ميناء “دوراليه” بعد نزاع قانوني.
5️⃣ إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية:
• سعي الإمارات للسيطرة على الموانئ في البحر الأحمر له تأثير مباشر على أمن الملاحة البحرية، والتنافس مع قوى إقليمية مثل تركيا السعودية وقطر.
خامسا تركيا وتوسيع النفوذ في البحر الأحمر:
برز الدور التركي في البحر الأحمر بشكل لافت، خصوصاً بعد توقيع اتفاقية مع السودان في عام 2017 لتطوير جزيرة سواكن القريبة من بورتسودان:
• جزيرة سواكن: ركزت تركيا على إعادة تأهيل جزيرة سواكن كمركز تجاري وسياحي، مع إشارات إلى إمكانية استخدامها لأغراض عسكرية ولوجستية، مما أثار قلقاً إقليمياً لدى مصر والسعودية.
• التواجد العسكري: رغم أن الاتفاق كان في ظاهره اقتصاديًا، إلا أن بعض التقارير أشارت إلى نوايا تركية لاستخدام سواكن كمركز لوجستي عسكري، ما يزيد من تعقيدات التوازنات في البحر الأحمر.
• التأثير على بورتسودان: تطوير سواكن كان يمكن أن يؤثر على مكانة بورتسودان كميناء رئيسي، لكن التغييرات السياسية في السودان بعد الثورة عام 2019 أوقفت المشروع مؤقتاً، مما أعاد خلط الأوراق في التنافس الإقليمي.
خامساً: التأثيرات السياسية والأمنية لحرب الموانئ:
• سياسياً: أدت المنافسة الجهوية على مينا بورتسودان إلى تعميق الانقسامات السياسية في السودان، خاصة بين المكونات العسكرية والمدنية، مع محاولات بعض الأطراف الاستقواء بالاقليم والخارج لتحقيق مكاسب محلية.
• أمنياً: تصاعد التوتر حول الميناء أدى إلى انعدام الاستقرار في المنطقة، مع ظهور تهديدات بحرية وصراعات بين المليشيات المسلحة المدعومة إقليمياً، بالإضافة إلى التهديدات المحتملة لحركة الملاحة في البحر الأحمر.وربما تاثر بمستقبلها بنماذج من حولنا ان لم تحسن تدابير ادارته وتأمينه.
• الصراع الإقليمي: التنافس بين القوى الكبرى والإقليمية على النفوذ في بورتسودان يهدد بتفاقم النزاعات في البحر الأحمر، مما يجعل المنطقة عرضة لصراعات ممتدة.
سادساً: السيناريوهات المحتملة لمستقبل بورتسودان:
1. التدويل وتكثيف الوجود العسكري الدولي، مما قد يجر المنطقة إلى سباق تسلح ويزيد التوترات، خاصة مع التنافس الروسي والأمريكي في البحر الأحمر.
2. تسوية إقليمية برعاية دولية، تضمن تقاسم النفوذ وضبط التدخلات في الميناء مع تحسين البنية التحتية لتلبية احتياجات التجارة الدولية.
3. استقرار سياسي داخلي في السودان، يمكن أن يحقق سيطرة مركزية على الميناء الرئيسي وامتداداته ويحد من التدخلات الخارجية، ويعيد رسم معادلات التنافس الإقليمي.
4. إحياء مشروع سواكن التركي، في حال عودة التحالفات السياسية مع تركيا، مما سيعيد إشعال التنافس الإقليمي في البحر الأحمر مجددا.
خاتمة:
تعملنا من هذه الحرب المفروضة على بلادنا كيف هي المطامع في ثرواتنا وعلى رأسها سلاح المواني الذي تنشده الإمارات . نعم تمثل حرب الموانئ والمسيرات في بورتسودان انعكاساً لتشابك المصالح الدولية والإقليمية في منطقة البحر الأحمر، وتجسيداً لصراع الارادات والمال والنفوذ التي تتجاوز الأبعاد الاقتصادية إلى الأمنية والسياسية. ويبقى مستقبل بورتسودان مرهوناً بمدى قدرة السودان على استعادة الاستقرار السياسي وتعزيز سيادته على مواقعه الاستراتيجية وتطويرها باحدث الآليات والتقانات الخاصة بالمواني وتوسيع طاقتها وتنوع مواردها . إضافة إلى إدارة التوازنات الإقليمية المعقدة مع إثيوبيا وتركيا والقوى الخليجية الكبرى مثل السعودية وقطر والإمارات، لتحقيق اعلى الفائدة والمكاسب من وراء هذه الصناعة التي باتت عصبا لمداخيل متنوعة. و رغم فارق الأهداف للأنشطة والنوايا المستقبلية لهذه البلدان ، تظل مواني السودان احدى الموارد غير الموظفة اقتصاديا عبر شراكات كبرى ذكية تحقق مقاصد السيادة والامن وتعود بالنفع على البلاد وأمنها أسوة بما يجري في مناطق كثيرة من العالم، والاقليم من حولنا (جيبوتي نموذجا).. إذا ما وضعت خطة وطنية محكمة لجعل هذا المورد الضخم احد بوابات إنعاش الاقتصاد وتثوير الامن القومي.

٢٢ مايو٢٠٢٥م

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.