منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

رحمة عبد المنعم يكتب : *إلى يوسف عبدالمنان*

0

رحمة عبد المنعم يكتب :

*إلى يوسف عبدالمنان*

أستاذنا الحبيب يوسف عبدالمنان،سلامٌ على أرضٍ تشبهك في صلابتها، وصبرها، ودهشتها الدفينة، سلامٌ على الدبيبات، وقد استيقظت صباح أمس الجمعة على وقع أقدام الجيش، تعود إلى حضن الوطن، خفيفةً من الألم، مثقلةً بالمجد، مدينةٌ كانت تغفو على قارعة الخوف، فنهضت فجأةً، كمن تذكّر اسمه بعد طول نسيان.

ما بينك وبين الدبيبات، يا يوسف عبدالمنان، ليس حنيناً قديماً، ولا مجرد انتماء لمسقط الرأس؛ لم تكن فقط من أبنائها بالنسب، بل كنت ابنها بالانتماء والمعنى، وشاهدها الصحفي الأصدق ،كنت تكتبها كما يكتب العارف المأخوذ، كما كتب نجيب محفوظ القاهرة في دهاليز زقاق المدق وخان الخليلي وبين القصرين، كنت تمسكها من أطراف التفاصيل، وتفردها أمامنا مدينةً لها نبض، ولها ملامح، ولها وجوه تعرفها، وصمتٌ يعرفك.

حرّر الجيش الدبيبات، فتهللت الوجوه، واستبشرت النفوس، لكن شيئاً ما ما يزال ناقصاً، غائباً، معلّقاً بكلمتك عنها،فالناس لا يريدون خبراً فقط، ولا نشرةً تُتلى على عجل، بل يريدون سردك.،يريدون أن تُلبس هذا النصر ثياب اللغة، أن تمشي به بين القراء كما تمشي بين بيوت الحيّ القديم، تُحيي هذا، وتسأل عن ذاك، وتربّت على كتف المدينة المنهكة.

من قال إن المدن تُحرّر بالسلاح وحده؟ السلاح يفتح الطريق، نعم، لكن الذاكرة هي التي تثبّت الأرض في النفوس. وأنت، يا يوسف، ذاكرةٌ للدبيبات، وذاكرتنا نحن الذين وجدنا في كلماتك مرآةً نرى فيها الوطن، وهو يعبر محنةً بعد أخرى، دون أن تنكسر قامته.

ننتظر أن تكتب، لأننا نعرف أنك حين تكتب، لا تكتب من الخارج، إنك تغوص في صمت الأزقة، وتستدعي وجوهاً طال غيابها، وتبعث الحياة في الطين اليابس، وتسكب الماء فوق الندوب.

ننتظر أن تكتب عن القوز، عن الحمادي، عن كركرة البقارة وكنانة، عن مسبعات، وعن أولئك الذين لطالما ذكرت أسماءهم على صفحات الجرائد كما تُذكر أسماء الشهداء في المآذن،ننتظر أن تعود بنا إلى الجروف القديمة، إلى تنقّل الرعاة في مواسم المطر، وهم يسيرون خلف أبقارهم بأناشيد الشوق، وإلى عشق الزرّاع لتراب الأرض، حين يغرسون البذور كما لو أنهم يغرسون الأمل في صدر الوطن.

اكتب، يا يوسف، فهذه الأرض قد قاتلت ببسالة لتعود، وهي تستحق أن تُروى حكايتها من فم عرفها وهي تبتسم، وعرفها وهي تبكي، وعرفها وهي تتألم دون أن تشتكي.

اكتب، لا كمن يصف لحظة، بل كمن يؤرّخ لجوهرها، فليس كل نصر تكتمل معانيه بالسلاح وحده، فبعض الانتصارات لا ندرك قيمتها إلا حين تُروى بقلبٍ صادق، وقلمٍ يعرف الطريق إلى الوجدان.

سلامٌ على المدينة التي تشبهك، وسلامٌ على القلم الذي ما خانها يوماً، وسلامٌ علينا نحن الذين نقرأك، فيزداد إيماننا بأن الكلمة الصادقة لا تهزمها حرب، ولا تمحوها غربة.
دمت بخير، ودامت الدبيبات حرّة.

*#صحيفة_الكرامة*

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.