*البطل عثمان دقنة الذي اباد الجيش البريطانيٌّ عن آخره، في معـ ـركــ ـة لم تستغرق أكثر من خمس عشرة دقيقة* علي اكيل كركوش
*البطل عثمان دقنة الذي اباد الجيش البريطانيٌّ عن آخره، في معـ ـركــ ـة لم تستغرق أكثر من خمس عشرة دقيقة*
علي اكيل كركوش
البطل السوداني المجاهد عثمان دقنة :
هو أحد أمراء وقادة الثـ ـورة المهدية في السودان، ومن أكثرهم شهرةً وحنكةً. وُلِد عام 1843م. هو البطل الذي قال عنه اللورد فيتز موريس في جلسة مجلس اللوردات البريطاني في نوفمبر سنة 1883م:
“لم يُفْنَ جيش بهذه الطريقة منذ أن هـ ــلـ ـك جيش فرعون في البحر الأحمر.”(جريدة The Times البريطانية، عدد نوفمبر 1883م)
وكان ذلك بعد الهـ ـزيـ ــمة الساحقة التي مُني بها الإنجليز على يد جيش عثمان دقنة في موقعة شيكان التاريخية في العام نفسه 1883م.
ففي تلك المـ ـعـ ــركة أُبيد جيش بريطانيٌّ عن آخره، في معـ ـركــ ـة لم تستغرق أكثر من خمس عشرة دقيقة، وسقط الجنرال هكس قـ ـتـ ــيلاً ومعه أركان حــ. ـربه وخيرة ضباطه. ولم ينجُ إلا عدد قليل من جنوده ليحكي قصة إبــ ـادة جحافل الغــ ـزاة على رمال كردفان الغرّاء ، بينما استُشهد من جيش الثورة السودانية نحو مئتي شـ ـهــ. ـيد فقط – نحتسبهم عند الله.
نال أبطال الثورة إعجاب أعـ. ـدائـ ــهم من الجيش البريطاني الذين أطلقوا على قائدهم عثملن دقنة اسم “فَزِّي وِزِّي” (Fuzzy Wuzzy )، أي “صاحب الشعر الأشعث”، وقد خلده شاعر الإمبراطورية البريطانية الأشهر في ذلك الوقت روديارد كبلينج في قصيدةٍ عبّر فيها عن نظرة الجنود البريطانيين له و لأولئك المقـ. ـاتــ. ــلــ. ـين، فقال:
“أرفع إليك التحية يا فَزِّي وِزِّي وأنت في ديارك هناك في السودان،
رغم كونك هزيلاً وجــ. ـاهـ ــلاً، إلا أنك مـ. ـــحـ. ــارب من الطراز الأول.
التحية لك أيها الفَزِّي وِزِّي، بشعرك الأشعث الخشن، أيها العظيم، الأسود، المعدم، لأنك حطمت المربع البريطاني.”
كانت للإنجليز خطة حـ ــربــ ـية تُعرف باسم “المربع البريطاني”، وهي تكتيك لم يتمكن من كسره حتى جيوش الإمبراطورية الروسية ولا جيوش نابوليون بونابرت الفرنسية عبر التاريخ.
لكن عثمان دقنة ورفاقه استطاعوا ما عجز عنه أولئك، إذ نجحوا في اختراق المربع البريطاني بعبقريةٍ فريدةٍ تعتمد على المناوشة واستدراج العـ ـدو والهـ ـجــ ـوم المفاجئ أثناء تحرك المربع، مع التركيز على الضــ ـرب من المؤخرة ، إضافةً إلى نصب الكـ ـمائـ ــن على مسار العــ ـدو، مستفيدين من سرعة قـ ــواتــ. ـهم وبسالتهم في الكرّ والفرّ.
واليوم، حين تُدرَّس نظرية “الاختراق من مؤخرة العـ ـدو” في كلية الأركان البريطانية في كامبرلي، يُذكر تكتيك الأمير عثمان دقنة نموذجًا يُحتذى في خطته العبقرية في اختراق المربع البريطاني ، خاصة في معـ. ــاركـ. ـــه بـ التيب و طماي وتوفريك و خور شمبات .
ظلّ عثمان دقنة عصيًا على الأســ ـر قرابة عقدين من الزمن، إلى أن وُشي به أحد الخـ. ــونــ. ــة العـ. ـمــ. ـلاء طمعًا في المال. فاعتُقل سنة 1900م ونُقل إلى سجن سواكن.
وخلال رحلة الملك البريطاني جورج الخامس إلى الهند، توقّف في سواكن لرؤية الرجل العظيم القابع في سجن البلدة، وقد اعتصم بصمتٍ مهيب. وعندما وصل الملك إلى سواكن، رفض دقنة مقابلته، مما اضطر الملك إلى الذهاب بنفسه إلى السجن وسط ذهول مرافقيه. وهناك أيضًا رفض “أسد الشرق” الخروج من زنزانته لمقابلة الملك. عندها أصرّ الملك على الدخول إليه بنفسه، فدخل الزنزانة، فوجد البطل جالسًا على الأرض يُسبّح الله غير مبالٍ بحضوره. فما كان من الملك إلا أن وقف بانضباطٍ وأدّى له التحية العسكرية بسيفه إكرامًا له، ثم خرج مبهورًا بعظمته. (المصدر: Memoirs of Sir Reginald Wingate, London, 1912)
لقد خُلِّدت سيرة هذا البطل في ذاكرة الأعــ. ـداء قبل الأصدقاء.
تُظهر هذه الصورة الملتقطة سنة 1900م الأمير السوداني القائد عثمان دقنة لحظة اعـ ـتـ ـقاله مقيّدًا بالسلاسل، وحوله الخـ. ـونــ. ــة كأنّه أسدٌ وسط ضباعٍ باعوا دينهم وأمتهم مقابل القليل من المال . وكان سبب اعتقاله خــ ـيانــ. ـة صديقٍ مقرّبٍ منه. وعند القبض عليه قال قولته المشهورة لذلك الصديق:
> “أنا اتقبضت… لكن علّك ما بعتني رخيص!”
توفي عثمان دقنة في سجنه سنة 1926م، بعد أن قضى ما يقارب ربع قرن في الأســ. ـر، دون أن يلين أو يتراجع عن مواقفه.
ومـ ــات كما عاش… عزيزًا، حرًّا، مؤمنًا بقضيته الى النهاية ، رحم الله فارسنا البطل، أسد الشرق عثمان دقنة ، رمز العزة والمروءة والجـ. ـهـــ. ـاد في تاريخ في تاريخ الامة …
المصادر :
1) The Times Archive, November 1883 — تقرير مجلس اللوردات البريطاني عن حملة هكس.
2) R. Kipling, Fuzzy Wuzzy, in Barrack Room Ballads, London, 1890.
3) Sir Reginald Wingate, Ten Years’ Captivity of Osman Digna, London, 1912.
4) British Military Review, Issue 14, 1902 — دراسات تكتيكية عن معــ ـارك دقنة.