البعد الاخر د. مصعب بريــر *الإنسان العاري: الدكتاتورية الخفية للعالم الرقمى ..!*
البعد الاخر
د. مصعب بريــر
*الإنسان العاري: الدكتاتورية الخفية للعالم الرقمى ..!*

يسرنى ان أقدم لمتابعينا الكرام تحليلا قيما لكتاب “الإنسان العاري: الدكتاتورية الخفية للعالم الرقمي” من سبعة حلقات اجتهدنا فيها لتغطية كافة كهوف العالم الرقمى الخفية ، في زمنٍ لم تعد فيه المعلومة وسيلة معرفة فحسب، بل أداة سلطة ونفوذ، يطلّ علينا كتاب «الإنسان العاري: الدكتاتورية الخفية للعالم الرقمي» للكاتبين الفرنسيين مارك دوغان وكريستوف لابي، بترجمة أنيقة للعالم العربي أنجزها سعيد بنكراد، ليقدّم واحدة من أكثر الصرخات الفكرية جرأة في وجه ما يُسمى بـ “الثورة الرقمية”.
فالكتاب، الصادر عن المركز الثقافي للكتاب بالدار البيضاء عام 2020، ليس مجرد دراسة تقنية أو بحث في علوم الحاسوب، بل تحليل فلسفي وسياسي عميق لتحوّل الإنسان الحديث إلى كائن مكشوف، منزوع الخصوصية، تُدار حياته من خلف الشاشات.
يبدأ المؤلفان من فكرة صادمة: أن ما نراه اليوم من انفتاح رقمي وحرية تواصل ليس سوى وهمٍ جميل يخفي وراءه منظومة هيمنة جديدة.
في الماضي، كانت الأنظمة الشمولية تعتمد على القمع، الشرطة، والمخبرين. أما اليوم، فقد تولت الخوارزميات هذا الدور بذكاء ونعومة: لا تفرض شيئًا بالقوة، لكنها تعرف كيف توجه السلوك دون أن يشعر صاحبه.
في هذا العالم، كل ضغطة زر، وكل إعجاب، وكل عملية بحث، تتحول إلى خيط في شبكة ضخمة من البيانات. تلك البيانات لم تعد ملكًا لأصحابها، بل صارت الذهب الجديد للشركات العملاقة مثل غوغل وأمازون وفيسبوك وآبل، التي بنت إمبراطوريات مالية وسياسية تفوق قوة بعض الدول.
هذه الشركات، كما يؤكد دوغان ولابي، لا تبيع المنتجات فقط، بل تبيع الإنسان ذاته: وعيه، عاداته، مزاجه، وحتى انفعالاته اللحظية. وهكذا، يصبح المستهلك مادة خام لنظام اقتصادي جديد قائم على “التحكم في السلوك البشري”.
يتتبع الكتاب جذور هذه الهيمنة منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، حين تحالفت الحكومات الغربية مع الشركات الرقمية تحت ذريعة “الأمن القومي”. ومن خلال برامج التجسس العالمية مثل PRISM، تم تحويل الشبكة العنكبوتية من فضاء حر إلى أداة مراقبة كوكبية.
ومن هنا، يبدأ ما يسميه المؤلفان بـ عصر الإنسان العاري — عصر الشفافية القسرية، حيث يعيش الفرد مكشوفًا تمامًا، حتى أمام ذاته.
لكن الدكتاتورية الجديدة ليست قمعية صاخبة؛ إنها ناعمة، مغلفة بالراحة، مشبعة بالمتعة. فالمواطن الرقمي لا يُجبر على الطاعة، بل يُغرى بها.
تُقترح عليه اختيارات، وتُصمم له واجهات جذابة، وتُمنح له “حرية” شكلية، بينما تتحكم الخوارزميات في كل ما يراه ويفكر فيه.
إنها عبودية طوعية كما يسميها المؤلفان، حيث نمنح طواعيةً بياناتنا وخصوصيتنا مقابل سرعة الاتصال وخدمات مجانية وحياة أكثر “ذكاءً”.
في الحلقات اللاحقة من هذه السلسلة، نستعرض كيف:
• تهاوت أسطورة الحرية الرقمية أمام واقع المراقبة الشاملة.
• نشأت إمبراطوريات البيانات التي تنافس الدول في السلطة والنفوذ.
• تحوّل الإنسان إلى سلعة تُباع وتُشترى في سوق الإعلانات والسياسات.
• اندمجت التكنولوجيا في حياتنا لدرجة أنها ألغت الفاصل بين الذات والعالم.
• وكيف انتهى بنا المطاف إلى الطاعة الرقمية التي تجعل المقاومة شبه مستحيلة.
بعد اخير :
خلاصة القول، إن قراءة «الإنسان العاري» ليست مجرد رحلة فكرية، بل مواجهة صادقة مع واقعنا اليومي. فكل إشعار على الهاتف، وكل تطبيق مجاني نستخدمه، هو جزء من بنية خفية تسعى إلى رسم حدود وعينا. ولعل التحذير الأكبر في الكتاب أن المعركة الحقيقية في القرن الحادي والعشرين ليست بين جيوش ودول، بل بين الإنسان وبياناته — بين من يملك المعلومة ومن يُستغل بها.. واخيراً، بهذه السلسلة من المقالات، نحاول أن نعيد النظر في علاقتنا بالعالم الرقمي، وأن نطرح السؤال الذي يتجنبه كثيرون: هل ما زلنا نتحكم في التكنولوجيا، أم أنها أصبحت تتحكم فينا؟.. ونواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الخميس (16 اكتوبر 2025م)
musapbrear@gmail.com
