*يا أهل السودان خذوا حذركم وأسْلِحتكم* بقلم رشاد فراج الطيب
*يا أهل السودان خذوا حذركم وأسْلِحتكم*
بقلم رشاد فراج الطيب

إذا تسوّر لصٌّ بيتك ، واعتدى على حرماتك ، ونهب متاعك ، وروّع أطفالك ، ثم ذهبت إلى قسم الشرطة لتقديم بلاغ فلم يُصدّقوك ، فاعلم أن البلاغ لم ولن يُسجَّل ، وأن العدالة لن تتحرك ، وأن اللص سيظل طليقاً يفلت من العقاب وينتفع بما سرق ثم يهددك ويعتدي عليك مجددا .
وهذا بالضبط ما حدث مع أهل السودان . فقد تعرّضوا لعدوان غاشم من قوة تمردت على الدولة ، كانت في الأصل مؤتمنة على حماية مؤسساتها ، فإذا بها بطمع وتحريض تستولي على تلك المؤسسات ، بما فيها القصر الجمهوري ومقرات الجيش والإذاعة والتلفزيون . ثم خرجت من معسكراتها مدججة بالسلاح لتغزو الأحياء ، وتطرد السكان من بيوتهم ، وتنهب الأسواق والبنوك ، وتقطع الطرق على المدنيين الفارين من جحيم الحرب ، وتختطف وتغتصب وتقتل وتحرق وتدمّر بلا رحمة .
والأدهى من ذلك والعجيب أن هذه المجموعات وثّقت جرائمها بالصوت والصورة ، وهي تتفاخر بما فعلت ، ثم استعانت بقوى خارجية طامعة جندت مرتزقة من أطراف الدنيا لغزو السودان في عدوان سافر على سيادته وأمنه . العالم كله شاهد تلك الجرائم المروّعة ، ومع ذلك ، حين لجأ السودانيون إلى مؤسسات العدالة الإقليمية و الدولية طلباً للإنصاف والعدل ، فوجئوا بأن تلك المؤسسات لا تتبنى روايتهم ولا تقدر معاناتهم إلا قليلا ، رغم الأدلة الدامغة والحقائق الماثلة. بل إنها طالبت الضحية المعتدي عليه بالجلوس مع الجاني لتسوية الخلاف والعيش معه في “سلام” لا يزعج الجيران والعالم !
والمحزن أن بعض دول من الأقربين والأبعدين تقف ذات الموقف وبمسافة واحدة مما تسميه – ( الطرفين المتنازعين ) ! –
وتدعو أهل السودان للحوار والتسوية مع سارقيهم وجلاديهم!
ويقولون ان أزمة السودان معقدة ولها أسباب وابعاد كثيرة وقديمة اجتماعية وقبلية وحتي بسبب المناخ !
حتي يعطوا لهذه الحرب مبررات وللتدخل الخارجي حيثيات وضرورات ، ويقولون انه ليس هناك حل عسكري للحرب في السودان ويصفها بعضهم بانها حرب اهلية ! فهم يتبنون عمليا رواية المتمردين والمعتدين ومن يظاهرونهم من تنظيمات قحط وصمود وغيرهم ممن تحالفوا مع بندقية الدعم السريع ودفعوه لهذا التمرد واغروه به ، ثم تلقوا جميعا الرعاية والتمويل من الكفيل للاستمرار في الحرب ويريدون الآن وبعد أن تم دحرهم العودة معه عبر تفاوض ومبادرات تفرض علي الشعب وجيشه وهيهات .
والسؤال هو كيف كان سيكون الحال لو أنه حدث لهؤلاء الداعمين للتدخل في بلادنا ماوقع علينا من تمرد وعدوان وكيف يرجون أن يكون موقفنا وجيشنا مما يصيبهم ، والأمر لايحتاج والجواب معروف والسوابق شاهدة .
هكذا هي عدالة العالم اليوم تُنصف القوي الظالم ، وتساوي بين الجاني والمجني عليه ، وتكافئ المعتدي على جرمه . عدالة تقوم علي المصالح وليس علي الأخلاق والقانون .
تأتى هذه التدخلات في وقت نهض جيش السودان الباسل واستعاد زمام المبادرة ، وسانده الشعب في تلاحم وطني غير مسبوق ، وقدّم الأرتال من الشهداء ، وحرر المدن والبلدات ، وطرد المتمردين والغزاة ، واستعاد السيادة والكرامة ، واقترب من إعلان النصر … فكان لزاما أن تتحرك قوى داخلية ذات مصلحة و خارجية لقطع الطريق على ذلك النصر الحاسم القادم محاولة منها لفرض حل يخدم مصالحها هي ، لا مصالح الشعب السوداني . تريد إنهاء الحرب وفق السيناريو الذي يناسبها والطريقة التي تراها وهندسة المشهد السياسي وفق ماتشتهيه القوي التي تتفق معهم ، حتى وإن خالفت إرادة السودانيين وتوجهاتهم وتضحياتهم .
والمفارقة أن من الوسطاء دولة ، تريد أن تكون الخصم و الوسيط والحَكم ! إنها الصورة ذاتها التي رأيناها في غزة ، حين فرضت تسوية جائرة على شعب فلسطين ، سلبتهم حقوقهم ، وصادرت سلاحهم ، ونصبت عليهم إدارة أجنبية تحكمهم وتخدم أهداف الاحتلال ، وسمّوا ذلك زوراً “خطة سلام” ، وجدت للأسف مباركة ممن اسقطوا عن أنفسهم واجب النصرة للشعب المظلوم إلا من رحم الله .
أيها السودانيون ، إن جاءكم العالم ليفرض عليكم حلولا ، فخذوا منها ما يخدم وطنكم ، وارفضوا ما يُراد به مصادرة قراركم ومصيركم وخياراتكم الوطنية. استلهموا تجربة غزة ، فإن اهلها وهم قلة مستضعفون في الأرض واجهوا المخطط بثبات وإصرار وايمان ، وأنتم أكثر عدداً وأوسع أرضا واوفر سلاحا ، بجيشكم الباسل العتيد ، ومقاومتكم الشعبية المؤمنة ، وقيادتكم العسكرية والسياسية المحنكة والواعية .
اقبلوا ما تشاؤون واتركوا ما لا ترضون ، فلن يضروكم إلا أذى، ما دمتم متلاحمين خلف قيادتكم ، متمسكين بوحدة صفكم ، ومعتصمين بحبل الله المتين.
سيما وبلادكم الآن يقودها رجال مخلصون وقادة متجردون إلا من إيمانهم بالله واعتزازهم بقوة شعبهم وجنودهم في ميادين القتال والشرف .
فهم كما قال الشاعر :
“شم مقاديم في الهيجا إذا نكلت
في حومة البأس أبطال من الجبن .”
وتذكروا قوله تعالي :
( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ..) الآية
