منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*النقاط الإيجابية والسلبية في بيان الاتحاد الاوروىي بشأن السودان* بقلم د. محمد عثمان عوض الله

0

*النقاط الإيجابية والسلبية في بيان الاتحاد الاوروىي بشأن السودان*

بقلم د. محمد عثمان عوض الله

محمد عثمان عوض الله ب

 

21/102025

أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا من 17 نقطة، تناول فيه بشكل شامل الوضع الراهن في السودان. أهم ما جاء في هذا البيان هو إدانته الصريحة للصراع الدائر، وتعبيره عن قلقه العميق تجاه وحدة واستقرار السودان، كما أدان تشكيل حكومة موازية تابعة للمليشيا، مؤكدًا رفضه التام لأي كيان غير شرعي يوازي الحكومة السودانية.
طالب البيان بضرورة الدخول في مفاوضات بناءة، وضرورة ضمان وصول الإغاثة الإنسانية إلى المحتاجين دون عوائق، كما دعا إلى التزامات موثوقة لصالح الحكومة المدنية، واستعادة سيادة حكم القانون. وأكد الاتحاد الأوروبي استعداده للتعاون مع كافة الأطراف من أجل تحقيق هذه المطالب، مشددا في الوقت ذاته على أن هذا التعاون لا يعني بأي شكل من الأشكال شرعنة أي سلطة غير مدنية.
وتناول البيان أيضا تأثيرات الحرب السلبية على قضايا إقليمية ودولية مهمة مثل مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، والاتجار بالبشر، بالإضافة إلى أمن البحر الأحمر، والقرن الإفريقي، ومنطقة الساحل. وبهذا، ربط الاتحاد الأوروبي الاستقرار في السودان بمصالح أوسع تتجاوز حدوده الجغرافية.

وأشار البيان بوضوح إلى أن المسؤولية الأساسية لإنهاء النزاع تقع على عاتق القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع معا، وطالب الجهات الداعمة لهما بالتوقف الفوري عن تقديم أي نوع من أنواع الدعم، والامتثال التام لحظر الأسلحة. ورغم أن البيان لم يذكر دولة الإمارات العربية المتحدة بالاسم في هذه الجزئية – وهو ما يمكن فهمه في سياق دوافع سياسية واضحة – إلا أن الإدانة كانت ضمنية وواضحة، حيث أن حظر الأسلحة المطبق دوليا يخص المليشيا فقط، ما يعني أن الإدانة تستهدف تحديدا الجهات الداعمة لها، وهي الإمارات حصريا.
وفيما يخص الوضع الميداني، خصّ البيان قوات الدعم السريع بمطالبة صريحة بوقف حصار مدينة الفاشر، وسحب مقاتليها منها، واصفًا أولئك المقاتلين بأنهم يهددون سلامة المدنيين. صحيح أن لغة البيان هنا اتسمت بالأكاديمية والنعومة، إلا أن المضمون كان واضحا وصريحا في تحميل الدعم السريع مسؤولية مباشرة عن التهديدات التي يتعرض لها المدنيون، و استخدام الطعام كسلاح، مما يمثل إدانة مباشرة للمليشيا وإن جاءت بصيغة دبلوماسية.
أما في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، فقد استند البيان بشكل مباشر إلى تقرير خبراء الأمم المتحدة، والذي وثّق بجلاء الجرائم التي ارتكبتها المليشيا، واصفا إياها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مثل القتل، بينما الاتهامات الموجهة للجيش السوداني لم ترتقِ إلى هذه الدرجة، واقتصرت على انتهاكات قانونية و حقوقية (مثل الاعتقال التعسفي أو قمع الحريات). وهذا التمايز في التصنيف ليس تفصيلا بسيطا، بل يعكس فهما دقيقا لحجم وخطورة الانتهاكات و تحميل المسؤولية بلغة القانون، ويؤكد أن الدعم السريع هو الطرف الذي ارتكب الجرائم الأشد فظاعة.

من الناحية القانونية، جاء البيان منضبطًا للغاية في صياغته، متقنا في التمييز بين الأطراف، أما من الناحية السياسية، فقد اختار الاتحاد الأوروبي لغة مغلفة ومتحفظة، من أجل تجنب الاصطدام المباشر في النقاط الحرجة، سواء مع الداعمين الإقليميين للمليشيا أو مع قوى دولية أخرى. لكن رغم هذه اللغة، لم يخلُ البيان من إشارات قوية واضحة.

البيان، في مجمله، يصب في مصلحة السودان، خاصة في القضايا المتعلقة بالوحدة، والسيادة، ودعم الحكومة المدنية الحالية. كما من اللافت أن الاتحاد الأوروبي لم يوجه اي انتقاد أو تحفظات تجاه الحكومة المدنية برئاسة الدكتور كامل إدريس، بل على العكس، طالب بمنحها كافة الضمانات والصلاحيات، وهو ما يفيد ضمنا بأن الاتحاد تجاوز مرحلة الرهان على حمدوك وجماعته، وأبدى استعدادا للتعامل مع الحكومة المدنية الحالية، مع التحفظ الوحيد المتمثل في الحرص على منع أي تغوّل على صلاحياتها، لذلك جاءت المطالبة بضمانات واضحة لتعزيز موقعها.

أخيرا، من المهم الإشارة إلى أن البيانات الدولية قد لا تعبر دوما بوضوح تام عن المواقف السياسية الكاملة، بل تصاغ أحيانا بلغة تراعي المصالح و ان كانت تمهيدا لمنعطفات سياسية قادمة. وقد نوه البيان بالفعل إلى دعه لإنطلاق مفاوضات سياسية، وهي بطبيعتها ليست مرفوضة أو محرمة، ولكن الشعب السوداني له رأي قوي و واضح في كيفية انعقادها و اطرافها و أجندتها و وسطائها، و كما يقال فان الشيطان يكمن في التفاصيل، وهي ما يجب الانتباه له بدقة للتفريق بين الاستراتيجي و التكتيكي في لعبة المصالح و العلاقات الدولية.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.