منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

السفير/ رشاد فراج الطيب يكتب :  *تحالف دول الساحل والتحولات الأمنية … الفرص والمحاذير أمام السودان* 

0

السفير/ رشاد فراج الطيب يكتب :

 

*تحالف دول الساحل والتحولات الأمنية … الفرص والمحاذير أمام السودان*

 

 

  • بقلم ✍️ السفير/ رشاد فراج الطيب
    باحث في التحولات الجيوسياسية

 

لم يأتِ تحالف دول الساحل الذي يضم النيجر ومالي وبوركينا فاسو بوصفه خطوة مفاجئة أو انفعالًا سياسيًا عابرًا ، بل تشكّل عبر مسار تراكمي فرضته إخفاقات أمنية عميقة وتجارب مريرة مع نماذج الهيمنة الخارجية .

فقد بدأت ملامح هذا المسار تتبلور بوضوح في السادس عشر من سبتمبر 2023 م ، عندما أعلنت الدول الثلاث توقيع ميثاق ليبتاكو–غورما للدفاع المشترك ، في رسالة صريحة مفادها أن أمن هذه الدول لم يعد قابلاً للإدارة من خارج حدودها .

ثم تطوّر هذا التنسيق الأمني إلى مستوى أعلى في يوليو 2024 م ، مع الإعلان الرسمي عن تأسيس ما عُرف بتحالف أو كونفدرالية دول الساحل ، بما حمله ذلك من أبعاد سياسية تتجاوز التنسيق العسكري إلى السعي لتشكيل فضاء سيادي مشترك .

واكتملت دلالة هذا التحول بانسحاب الدول الثلاث من الإيكواس مطلع 2025م ، وهو انسحاب لم يكن مجرد خلاف مؤسسي ، بل تعبير عن قطيعة مع منظومة إقليمية اعتُبرت ، في نظر قادة التحالف ، أداة ضغط أكثر منها إطار تضامن .

هذا المسار التأسيسي يكشف أن التحالف هو ، في جوهره ، رد فعل منظم على فشل المقاربات الغربية في إدارة أمن الساحل ، حيث تمددت الجماعات المسلحة تحت مظلة الوجود العسكري الأجنبي بدل أن تنحسر، وباتت الفوضى نمطًا دائمًا لا استثناءً مؤقتًا .

ومن هنا ، فإن التحالف يمثل محاولة لإعادة تعريف مفهوم الأمن في الإقليم على أساس السيادة الوطنية ، لا الأمن بالوكالة أو المشروط بالتمويل الخارجي .

بالنسبة للسودان ، تكتسب هذه التطورات أهمية خاصة ، ليس فقط من زاوية الجغرافيا ، بل من زاوية الترابط البنيوي بين أزمات الساحل وأزمات الدولة السودانية .

فجزء معتبر من التهديدات التي واجهها السودان ، خاصة في غربه ، كان نتاج بيئة إقليمية رخوة سمحت بتدفق السلاح والمرتزقة والجماعات العابرة للحدود .

وعليه ، فإن أي تحسن ، ولو نسبي ، في قدرة دول الساحل على تنسيق جهودها الأمنية وضبط فضائها الحدودي ، يمكن أن ينعكس إيجابًا على أمن السودان ، ويحد من تدويل نزاعاته وتحويلها إلى ساحات استقطاب خارجي .

كما يتيح التحالف للسودان فرصة سياسية غير مباشرة ، تتمثل في الانفتاح على محور إفريقي يتبنى خطاب استعادة القرار الوطني ورفض الوصاية ، وهو خطاب يتقاطع مع حاجة السودان للخروج من عزلته الجيوسياسية ، التي استُخدمت فيها أزماته الداخلية كأدوات ضغط وابتزاز سياسي .

وفي هذا السياق ، فإن إعادة الاعتبار لدور الجيوش الوطنية في دول الساحل ، بوصفها عماد السيادة لا مجرد أدوات أمن داخلي ، ينسجم مع معركة السودان للحفاظ على مؤسساته العسكرية في مواجهة مشاريع التفكيك والميليشياوية .

غير أن هذه الفرص تظل محفوفة بمحاذير لا يجوز تجاهلها .

فالهشاشة الاقتصادية والاجتماعية لدول التحالف ، وضعف بناها المؤسسية ، تجعل نجاح التجربة غير مضمون ، وقد يؤدي تعثرها إلى توسيع نطاق الفوضى في الحزام الممتد من الساحل إلى تخوم السودان .

كما أن الصدام غير المباشر بين هذا التحالف والقوى الدولية المتضررة من تراجع نفوذها قد يُدار بأدوات غير تقليدية ، من عقوبات وحروب هجينة ودعم فاعلين غير دوليين ، وهو ما قد ينعكس سلبًا على السودان إذا جرى توظيفه كساحة بديلة لتعويض الخسائر الجيوسياسية .

إن استثمار السودان لهذا التحول يتطلب مقاربة هادئة وبراغماتية ، تقوم على انفتاح سياسي محسوب مع دول التحالف ، وبناء قنوات تنسيق أمني وفني في مجالات ضبط الحدود ومكافحة الشبكات العابرة للحدود ، دون الانزلاق إلى اصطفافات حادة أو التزامات تفوق قدراته .

ويبقى الشرط الحاسم هو تحصين الجبهة الداخلية واستعادة الدولة ومؤسساتها ، لأن السودان لا يستطيع تحويل أي تحالف إقليمي إلى رصيد استراتيجي ما لم يكن قادرًا على حماية قراره السيادي من الداخل.

في المحصلة ، لا يشكّل تحالف دول الساحل ضمانة تلقائية للاستقرار ، لكنه يعكس تحوّلًا عميقًا في وعي جزء من القارة الإفريقية بأمنها ومصالحها .

ويبقى على السودان أن يقرأ هذا التحول بعين استراتيجية ، فيستثمر فرصه بحذر ، ويتجنب محاذيره بوعي ، ضمن رؤية تجعل من الإقليم سندًا للأمن الوطني ، لا امتدادًا للفوضى وعدم الاستقرار .

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.