منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*سودانيون في مصر.. كأنما لم تكن “أم الدنيا” ترغب في أبناء جُدد، فما القصة؟*

0

بعد اندلاع الحرب في السودان ولجوء عدد كبير من السودانيين إلى الجارة “مصر” بحسبانها أقرب الدول ولتسهيلات السفر آنذاك، لم تكن التوقعات كما الأحلام، وكأنما لم تكن “أم الدنيا” ترغب في أبناء جُدد، فما القصة؟

القصة ترويها “منى محمود” محررة “النيلين” من خلال التقرير التالي:

على الرغم من التصريحات الإعلامية وبوادر الاستقبال الجيد للسودانيين بعد عبورهم للحدود السودانية المصرية، في بداية أزمة الحرب، إلا أن هذه المعاملة الكريمة بدأت تضعف وتقل رويداً رويداً، وقد كانت البداية بتشديد إجراءات الدخول وإلغاء كل التسهيلات الموجودة في التنقل بين البلدين، ما سبب معاناة رهيبة للعالقين في المعابر مازالت آثارها ممتدة حتى الآن.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فبعد وصول السودانيين إلى مصر تم تعميم الفاظ “نازح” و “لاجئ”، عليهم دون التفريق بين هذه الكلمات وطريقة وصولهم ودخولهم، مع العلم بأنه لم يدخل مصر سوداني واحد على أرجله أو لم يدفع قيمة سفره براً وبحراً إلى مصر، ولم نسمع بمعسكر لإيواء النازحين السودانيين في الحدود المصرية أو في القاهرة أو الإسكندرية، لماذا؟

لأن معظم الذين وصلوا إلى مصر هم مقتدرين مالياً بدرجات متفاوتة، ولكن كيف كان الاستقبال؟

ارتفاع كبير في الإيجارات، استغلال وطمع من التجار في الأسواق والمواصلات، حتى في أسعار العلاج لم يأمن السودانيون من الاستغلال السيء في العديد من المشافي الخاصة والعيادات.

ولا يلغي هذا الإشراقات الجميلة من أبناء الشعب المصري الأصيل.

معاناة السودانيين لم تتوقف عند هذا الحد، فقد بدأت بعض المضايقات من الجهة المسؤولة عن الإقامة والهجرة والجوازات، وكانت الطلقة الأولى عند تحديد ختم الدخول للدولة بثلاثة أشهر بعد أن كان ستة أشهر، ثم إلغاء تجديد ختم الوصول واستبداله بإقامة لفترة محدودة يتم دفع مبلغ من المال في مقابلها، لتكون الطامة الكبرى حتى هذه الإقامة تم تقليص فترتها لشهرين كما وردت التأكيدات من المتعاملين بذلك.

ولكن هل يعلم المصريون من هم السودانيين الذين حضروا إليهم بعد الحرب؟

مع العلم بأن عددهم في حدود الـ 250 ألف شخص بحسب التقارير المصرية نفسها، مقارنة بعدد السودانيين الكلي الموجود أصلاً في مصر؟

لقد حضر إلى مصر مدراء البنوك وموظفيهم، وكبار موظفي الدولة والقطاع الخاص وأساتذة الجامعات، وعائلاتهم، وكبار التجار وأسر المغتربين في دول الخليج وأوروبا وأمريكا، ومهنيين على مستوى عال في الطب والهندسة والعلوم والقانون.

وهل يعلم المصريون بأن هؤلاء والذين يظهرون بكل تواضع في المجتمع المصري الآن قد حضروا بأموالهم وذهبهم وممتلكاتهم الثمينة؟

هذا غير التحويلات الدولارية التي تصلهم من الخارج؟

وهل يعلم المصريون بأنه عندما تضايق هؤلاء الأكارم من التقييد في شرائح الاتصال وربطها بتواريخ الدخول والإقامة لدى شركات الاتصالات المصرية قاموا باستخدام شرائح الاتصال الدولية باهظة الثمن التي بحوزتهم أو أرسلت لهم من أقاربهم، ولم يهمهم؟

نعم حضر قليل من الطبقات الأقل مستوى من السودان، ورغم ذلك لم تجدهم في الشوارع يسألون الناس، أو يضايقونهم، وكل دول العالم بها نسبة من الوافدين تظهر عليها بعض المظاهر التي قد لا تعجب سكان الدولة، ولا يكون هذا مبرراً ابداً لتعميم التعامل مع جميع مواطني الدول الوافدة.

لكن الصدمة كانت عندما لم يجد هؤلاء الذين حضروا بكرامتهم أولاً قبل أموالهم “حسن الظن” فيهم على الأقل، وذلك بوصفهم بالنازحين والهاربين كأنما ارتكبوا جريمة، نعم نزحوا لأم الدنيا ليكونوا تحت حمايتها وليس لإذلالهم فيها، نعم هاربين، لكن كانوا يأملون الهروب لحياة أفضل، فهم يحملون ما يحملون من كنوز مالية ومعرفية، تقديراتها لا تقل عن ملايين الدولارات، كانت كافية لإنعاش الحياة الاقتصادية المصرية المتدهورة لو وجدت البيئة الصالحة والاستغلال والإرشاد الجيد.

وتتحدث التقارير الاقتصادية في مصر هذه الأيام عن حجم التبادل الضخم مع السودان وزيادته حتى في وقت الحرب، ما يعني أن الفائدة متبادلة بين البلدين، ولم تتحدث عن كيف أثرى السودانيون الوافدون إلى مصر الاقتصاد المصري، كيف وقد أنعشوا أسواقاً كادت أن تغلق ومحال تجارية ظل أصحابها ينتظرون مبيعات مائة أو خمسين جنيه في اليوم وأصبحت بالآلاف، كيف وانتعشت تطبيقات التجارة الإلكترونية وتوصيل الأشخاص والطعام والأجهزة الإلكترونية، كيف وقد سُكنت مناطق مهجورة وبنايات لأول مرة يسكنها إنسان ودفع مقابلها إيجارات لم يكن يحلم أصحابها بالحصول عليها في يوم من الأيام.

وعن سفارة السودان بالقاهرة فكأنما يتحاشى السفير وموظفيه من التحدث مع السلطات المصرية فيما يخص أحوال مواطنيها، هنالك مجهودات مقدرة في إصدار وتوثيق المستندات السودانية، لكن أي تعامل يكون فيه الطرف المصري تجد التردد والتخوف والحرج كأنما يطلبون شيئاً غير مستحق أو يخجلون من شيء ما، هذه السفارة لخدمة السودانيين في مصر وتطوير العلاقات بين الشعبين، هل خاطبت السفارة السلطات المصرية في أمر ولم يردوا عليهم؟

إنهم ينتظرونكم، وكم يشتكي متعاملون سودانيون عندما يطلبون خدمة من مؤسسة مصرية ليصدموا بأن يقال لهم سفارتكم لم تخاطبنا، ولو خاطبتنا “على العين والراس”.

فلما الخوف والتردد والاستحياء؟

ويبقى السؤال..

ماذا يريد السودانيون في مصر؟

لم يقصر الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” بتجديد إعفاء المخالفين لقوانين الإقامة، ولكن هذا القرار استفاد منه المتواجدون في مصر ما قبل الحرب، ونحن نتحدث عن الذين وصلوا ما بعد الحرب، فهؤلاء لم يتموا الستة أشهر أصلاً حتى يخالفوا، لذا يأملون من القيادة المصرية النظر إلى أحوالهم ومكانتهم بعين الاعتبار، وتطويع القوانين لصالحهم ولصالح العلاقة الطيبة بين الشعبين، فهؤلاء صفوة المجتمع السوداني، افتحوا لهم بيوت المحبة والإلفة، لا تضايقوهم في إجراءات إقاماتهم وإصدارها، امنحوهم سنة على الأقل هل كثيرة عليهم؟

عاملوهم برفق في مؤسساتكم وفي ترحالهم وعلاجهم، افتحوا لهم أبواب الاستثمار والتمليك دون قيود وتشبيك، والتاريخ يحكي لم يجد المصريون من السودانيين القادمين على مر العصور إلا كل الخير، وتبقى المحبة هي القصة التي تروى بين الشعبين.

تقرير: منى محمود – “النيلين”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.