د السر احمد السر يكتب جغرافية التعليم وعقلية الحرب
د السر احمد السر يكتب
جغرافية التعليم وعقلية الحرب:
تفيد الدراسات النفسية والتربوية المقارنة بأهمية الأبعاد البيئية في تشكيل التفكير وطرق حل المشكلات وبعض جوانب الشخصية، ونتيجة لذلك فقد ازدهر علم النفس العابر للثقافات (Cross-Cultural Psychology).
وفي ضوء ذلك العلم قدم عالم النفس ريتشارد نيسبت ( Richard Nisbett ) كتابه الشهير جغرافية الفكر (The Geography of Thought)، وناقش فيه كثيرا من البدهيات التي تتطلب إعادة النظر فيها؛ مثل:
هل أنّ جميع الناس يفكرون بطريقة واحدة في كل أنحاء العالم؟ وهل أنّ العقل قسمة مشتركة متساوية المحتوى والمنهج بين الجميع؟
وقد جاء هذا الكتاب ليرصد كثيرًا من الظواهر والأمثلة التي يظهر فيها التفاوتُ بين المجتمع الغربي (تحديدًا أمريكا وكندا)، والمجتمع الشرق-آسيوي (وتحديدًا الصين والثقافات المتأثرة بها)، في المهارات اللازمة لإدراك العلاقات، والتمييز بين الموضوعات، والموقف من المرجعية السببية، وغيرها من الأمور، ويحاول ردَّ هذه التفاوتات إلى الخلفية الفلسفية لكل مجتمع من المجتمعات، وإرثه الثقافي القديم.
ويبحث الكتاب في الأصول الاجتماعية للعقل: وكيف يفكر الناس، بل وكيف ولماذا يختلفون في إدراكهم، بل في رؤيتهم البصرية؟
وقد أرجع اختلاف طرق التفكير، واختلاف النظرة إلى العالم بسبب اختلاف وتباين الهياكل الاجتماعية والإيكولوجيات والفلسفات ونظم التعليم منذ آلاف السنين وحتى اليوم مع شواهد من الإغريق والصين قديما.
ويبدو لي بناء على ما توصل إليه ريتشارد نيسبت وغيره من الباحثين في علم النفس العابر للثقافات وبالنظر لخريطة الحرب الحالية في السودان أنّ جغرافية التعليم في السودان لها أثر كبير في هذه الحرب الحالية.
وذلك أنّ المناطق التي تنتشر فيها الأمية، وتقل فيها المدارس ومؤسسات التدريب، وتنمية المهارات المدنية المختلفة، هي التي تمّ إغراء شبابها والزج بهم في أتون هذه الحرب نتيجة لتأثير بعض الجهات عليهم بطرق مختلفة.
ونظرا لأنّ التعليم هو العامل الأساس في البناء العقلي، فإنّ انتشار التعليم في تلك المناطق ينبغي أن يصبح هو الأولوية الكبرى بعد وقوف هذه الحرب، حتى تصبح جغرافية التعليم هي الغالبة على جغرافية الأمية في السودان، وحينها سيمثل التعليم الضامن الأكبر لوقاية الشاب من الزج بهم مرة أخرى في حروب مستقبلية، خدمة لأهداف بعض المنتفعين الذين لا يرون قيمة لدماء أولئك الشباب، ولا يعرفون للبناء طريقا، ولا تتجاوز أهدافهم بعض حاجاتهم التافهة. وقد صدق المتنبي حينما قال:
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها
وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
السر أحمد سليمان