منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي *الحملة الشعبية لحماية المرافق الخدمية*

0

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

*الحملة الشعبية لحماية المرافق الخدمية*

في خضم الصراع المعقد الذي تعيشه بلادنا، برزت مبادرة وطنية جديدة حملت عنوان “الحملة الشعبية لحماية المرافق الخدمية”، تعبيرًا عن يقظة مجتمعية متنامية في مواجهة استهداف السودان. جاءت هذه المبادرة لتطرح رؤية مجتمعية تهدف إلى حماية البنية التحتية، وعلى رأسها منشآت الكهرباء التي باتت هدفًا متكررًا لهجمات ممنهجة من قبل مليشيا الدعم السريع، باستخدام تقنيات متقدمة، كالمسيّرات الاستراتيجية، في دلالة واضحة على وجود دعم إقليمي مباشر.

هجمات الأربعاء الماضي على محطات الكهرباء في مدينة أم درمان الكبرى – مثل محطة المرخيات، ومحطة ود البخيت، ومحطة المهدية – تمت خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز نصف ساعة، مما يعكس مستوى عاليًا من التنسيق التقني و العسكري المخزي، ويؤكد أن الهدف منها هو شلّ المرافق الحيوية وتعطيل الحياة اليومية للسكان.

من الواضح أن الأمر تجاوز التخريب للبنية التحتية، إلى استهداف ضرب الاستقرار المجتمعي . ففي ظل انقطاع الكهرباء والمياه، وتوقف المستشفيات والمخابز، يصبح من المستحيل استعادة نمط الحياة الطبيعي أو عودة السكان إلى منازلهم، مما يساهم في تعميق أزمة النزوح الداخلي وزعزعة المواطنين .

ومن منظور القانون الدولي الإنساني، فإن استهداف هذه المرافق يُعد جريمة حرب . وتنص المادة 52 من البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 على أن “الأعيان المدنية لا يجوز أن تكون هدفًا للهجمات”. كما يعتبر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية أن استهداف المنشآت الحيوية المدنية، كالمستشفيات ومحطات الكهرباء، يشكل انتهاكًا جسيمًا للقانون . وعليه فإن استهداف منشآت الكهرباء في السودان، يشكل خرقًا محليًا يندرج تحت طائلة المسؤولية الجنائية ، لا سيما إذا كان هناك دعم خارجي مباشر أو غير مباشر لهذه العمليات.

في هذا السياق، جاءت الحملة الشعبية التي أطلقها ناشطون كاستجابة عاجلة لحجم التهديد، ونموذجًا لمقاومة مدنية تسعى للتضامن مع الدولة في حماية المنشآت. المبادرة، التي تقترح تشكيل لجان شعبية من إعلاميين ومهندسين ورجال أعمال واخرين ، لا تهدف فقط إلى الحماية الميدانية، بل تسعى أيضًا إلى إعادة ترسيخ مفهوم المشاركة المجتمعية في صون مقدرات البلاد. فالدولة لا تُبنى فقط بالجيوش، بل أيضًا بوعي المواطنين واستعدادهم للتضحية حتى لو تطلب ذلك أن يكونوا دروعًا بشرية لحماية هذه المنشآت. والمطلوب الآن دعم إعلامي واسع وتفاعل جاد من مختلف القطاعات، ويُقاس أثر هذه المبادرة بمدى استجابة تلك القطاعات وتفاعلها مع حجم التهديدات.

ويحضرني في هذا السياق ما قاله الفيلسوف جان جاك روسو: “حين يواجه الوطن الخطر، فإن أول واجب على المواطن ليس أن يسأل ماذا تفعل الدولة، بل ماذا يمكن أن يفعله هو من أجل بقائها”. هذا المعنى يلخص المبادرة التي ترى في الشعب عنصرًا فاعلًا لا مفعولًا به، وفي التضامن سلاحًا لا يقل قيمة عن البندقية.

وعلى المستوى الرسمي، اتهم الناطق باسم الحكومة، خالد الإعيسر، دولة الإمارات بتمكين مليشيا الدعم السريع من استخدام طائرات مسيّرة انتحارية من صنع صيني، وذلك عبر خرق ما يُعرف بـ”شهادة المستخدم النهائي” التي تفرض قيودًا قانونية على الدول المستوردة للأسلحة. كما طالبت الحكومة السودانية ، بتدخل صيني مباشر لتعطيل تقنيات تلك الطائرات، معتبرة أن تواطؤ أبوظبي مع الميليشيا يهدد الأمن القومي السوداني ويناقض مواقف الصين التاريخية تجاه السودان.

وفي ظل هذا الدمار الممنهج للبنية التحتية، والذي شمل بورتسودان في 6 مايو 2025 ومحطات الكهرباء في أم دباكر وعطبرة وسد مروي في 13 يناير الماض، تبرز مفارقة مؤلمة: دعوات للتفاوض مع مليشيا الدعم السريع رغم مسؤوليتها عن هذا الاستهداف. والمؤسف أن د. عبد الله حمدوك في تصريحاته الأخيرة، اكتفى بالدعوة إلى وقف الحرب دون إدانة صريحة للهجمات، مكتفيًا بالقول إن السودان يمر بأكبر كارثة في تاريخه ” الشرق الأوسط “. وبحسب مراقبين، فإن الصمت تجاه هذا الاعتداء يُعد موقفًا غير أخلاقي، ولأيمكن التغاضي عن إدانته.

وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن الحملة الشعبية لحماية المرافق الخدمية تُعد خطوة في الاتجاه الصحيح نحو استعادة المجتمع لزمام المبادرة، وتمثل نواة لتضامن وطني يؤكد أن الدولة لا يمكن أن تصمد وحدها، وأن بقاءها يحتاج إلى شعب واعٍي و مشارك في الدفاع عنها، صامد في وجه التحديات . فالخطر الذي يهدد السودان اليوم عسكري ووجودي، ويستلزم من الجميع فردًا كان أو مؤسسة أن يرى نفسه طرفًا في معركة الدفاع عن بقاء البلاد فكرة، ووطن، حتى تكلل مساعينا جميعًا باستعادة الأمن والسلام.

دمتم بخير وعافية.
السبت 17 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.