أضواء ونوافذ عامر حسن يكتب : *روشتة الأمل رقم (2)* *الضباط الإداريين والشرطة ..من سجل الشراكة القديمة إلى مقتضيات الأمن المؤسسي في الدولة المدنية*
أضواء ونوافذ
عامر حسن يكتب :
*روشتة الأمل رقم (2)*
*الضباط الإداريين والشرطة ..من سجل الشراكة القديمة إلى مقتضيات الأمن المؤسسي في الدولة المدنية*
روشتة الأمل رقم (1) لم تكن سوى محاولة متواضعة للفت النظر إلى كنز إداري ظل مهمشآ بفعل التقاطعات السياسية، لا بسبب ضعف الكفاءة، غير أن ما حدث بعدها فاق التوقعات، إذ وجدت الروشتة رقم 1 صدى واسعآ في وسائل التواصل الاجتماعي، وبلغنا من بعض الإخوة أنها كانت حاضرة في ملخص الصحف اليومية التي ترفع إلى رئيس الوزراء د. كامل إدريس، بل ووردت ضمن دفتر وارد التواصل اليومي الذي يطلع عليه في مكتبه ، فإن صح هذا الحديث، أقول بأن الأمل بعثه رئيس الوزراء حينما سمى حكومته حكومة الأمل، من هنا بدأت القصة، بأن نكتب روشتة الأمل.
في زمن تتزاحم فيه الشعارات، وجب علينا أن نتلمس طريق الكتابة، والتنوير كضرورة مرحلة ملحة في تاريخ وطننا، تتطلب الاستجابة من الجميع ، وحين رأينا هذا الأثر لبعض الكتابات، شعرنا أننا بدأنا نلامس طريقآ حقيقيآ، لا في الكتابة فحسب، بل في معركة الوعي والبناء.
وهنا، لابد أن نذكر أن ما نقوم به من كتابة استفدنا فيها من أقلام وطنية واعية، شكلت حضورآ بارزآ في خضم الأزمة، هؤلاء الإعلاميون الوطنيون، بصبرهم ومقالاتهم وآرائهم المتجردة، شكلو سندآ للوطن و لمن أراد أن يتخذ الكلمة وسيلة للبناء لا للهدم، فكانوا خير معين لنا، وخير زاد لمن يريد أن يسلك درب الكلمة والتنوير، ومرآة حقيقية لما نأمل أن تكون عليه الصحافة السودانية: مسؤولة، واعية، وملتزمة بالقضية الوطنية.
ومواصلة لهذا التفاعل، ولما أثارته الروشتة الأولى من استدعاء للذاكرة الوطنية، فقد تذكر كثيرون كيف كانت المجالس المحلية ذات هيبة يوم كان ينادى باسم ضابط المجلس، وتذكر البعض كيف كانت الشرطة تتبع للحكم المحلي، ما أعاد إلى الأذهان العلاقة التاريخية بين الضباط الإداريين والمؤسسة الشرطية.
ومن هنا نبدأ الروشتة رقم (2):
في طريق إعادة بناء الدولة السودانية الحديثة، وفي ظل واقع ما بعد الحرب، يفرض الملف الأمني نفسه كأولوية لا تقبل التأجيل، غير أن الأمن لا يعني فقط المواجهة المسلحة أو الإجراءات الوقائية، بل يتطلب فهمآ مؤسسيآ للتماسك المجتمعي والتنسيق بين أجهزة الدولة.
وهنا يظهر مجددآ دور الضباط الإداريين، لا بوصفهم إداريين فحسب، بل باعتبارهم جهازآ شبه نظامي، يحملون خلفية شرطية سابقة حينما كانوا يشرفون إشرافآ مباشرآ على الشرطة في فترات متفاوتة بعد الاستقلال، وكانت تبعية الشرطة للحكم المحلي، ومن ثم تشكل جسمآ منفصلآ تحت وزارة الداخلية كما هو معلوم تاريخيآ ، يجمعون بين الفهم الأمني والانضباط المدني.
إن استدعاء هذه الكوادر لتولي وزارات اتحادية ذات طابع أمني مؤسسي مثل:
الحكم الاتحادي والتنمية الريفية
شؤون مجلس الوزراء
الشؤون الدينية والأوقاف
التنمية الاجتماعية
هو استثمار في التنسيق، والانضباط، والخبرة الميدانية، لا مجرد تعيين إداري.
ولمن يتساءل: كيف سينظر المجتمع الدولي إلى تعيين كوادر بخلفية أمنية في وزارات مدنية؟
فالإجابة أن العالم لا يعارض الخلفية، بل يعارض عسكرة القرار، والضباط الإداريين ليسوا عسكريين بالمعنى الحرفي، بل كوادر مدنية ذات انضباط شبه نظامي، امتلكت خبرة طويلة في التنسيق بين الشرطة، والأمن، والجيش، لا سيما في الولايات من خلال لجان أمن الولايات.
وقد أثبتت بعض التجارب الأخيرة نجاح هذا النموذج، أبرزها تجربة والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، أثناء الحرب كان حاضرآ، لعب أدوارآ كبيرة في الجانب الأمني ودرجة عالية من التنسيق بين الأجهزة الأمنية، وبعد تحرير الخرطوم، لعب دورآ محوريآ في استعادة التناغم الأمني، بل ذهب لأبعد من ذلك، حين قيم أداء المقاومة الشعبية في محاولة لفهم الواقع المجتمعي والأمني بشكل تكاملي، ومازالت جهودة متصلة ومتواصلة ،وهذه المقاربة تظهر عمق الفهم، لا السطحية الإجرائية.
إن تعيين الإداريين في وزارات اتحادية، بناءآ على خلفياتهم في الشرطة والحكم المحلي، والتنسيق بين الأجهزة النظامية المختلفة، لن يعزز فقط التنسيق الأمني، بل سيرسل رسالة واضحة للخارج بأن السودان يمضي في اتجاه الدولة المؤسسية، وليس دولة النفوذ.
لما سبق، المرحلة القادمة لا تحتمل التجريب، والدولة لن تبنى إلا بعقول تعرف الأرض، وتفهم الناس، وتجمع بين الحزم والمعرفة.
والضباط الإداريين، إذا ما وضعوا في المكان الصحيح، يمكن أن يكونوا صمام الأمان المؤسسي في دولة تحاول أن تنهض من بين الركام.
لذا نكرر ونقول بثقة:
إذا توفرت الإرادة، ووجد د. كامل إدريس من يستشيرهم بصدق، لأشاروا عليه بالضباط الإداريين.
لأنهم يمثلون ما تحتاجه المرحلة: مؤسسية، مهنية، وأرضية معرفية متجذّرة.
*23 يونيو 2025*
*عامر حسن عبدالقادر*