منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*السودان بين البحث عن الديمقراطية وبناء مؤسسات الدولة المدنية* كتب : عزالدين ابو جمال

0

*السودان بين البحث عن الديمقراطية وبناء مؤسسات الدولة المدنية*

كتب : عزالدين ابو جمال

الإنسان بطبيعته كائن اجتماعيّ، لم يكن بوسعه أن يبقى على قيد الحياة والانتقال من الوحشية والبربرية إلى الحضارة إلا من خلال العيش في جماعة، والجماعة اتخذت أشكالًا مختلفة في مجرى التطور التاريخي للبشرية، وأهمّها: الأسرة، والعشيرة، والقبيلة، والمجتمع.

ويُجمع العلماء الاجتماعيون على أن العشيرة تتألف من جملة عائلات، ولكنهم يختلفون حول مسألة العلاقة التاريخية بين العشيرة والعائلة، فبعضهم يرى أن الإنسان بدأ رحلة الحضارة بتكوين العائلات، ثم العشائر، ثم القبائل، والبعض الآخر يتبنى الموضوعة الأساسية التي تقدم بها (لويس هنري مورجان)، وفحواها أن العشيرة ظهرت في وقت أبكر من العائلة، وأن الأخيرة ظهرت في مرحلة لاحقة من التطور الاجتماعي.

وإذا غضضنا النظر عن تلك الاختلافات، يمكننا القول إن العشائر في مرحلة معينة من التاريخ أصبحت تتألف من مجموعات عائلات، وأن العشائر هي مجموعة من الأفراد تربطهم صلات القربى، ويحملون اسم سلف حقيقي أو مزعوم.

أما القبيلة فلها معنى آخر، حيث “يشير هذا المصطلح عادة إلى جماعة اجتماعية ترتبط برابطة القرابة والواجب، وتقترن بمنطقة أو إقليم معين. ويشترك أفراد القبيلة في خاصية التماسك الاجتماعي الراجع إلى الأسرة، إضافة إلى الإحساس بالاستقلال السياسي الذي يميز الأمة”.

مع مرور الزمن، تحوّلت القبائل البدائية إلى قبائل متطورة، وتزامن ذلك مع نهاية العصر المشاعي البدائي، فأصبح للقبيلة إدارة ذاتية، تتمثل في قائد القبيلة ومساعديه كما هو في الشرق، أو تتكون من مجلس قبلي عسكري ومدني للقادة كما كان الحال عند العديد من القبائل الأوروبية.

في التقدم الاجتماعي وطبيعية العلاقات تشكلت مفاهيم ذات طبيعة كلية تخدم المجتمع وتحقق المرامي الكلية لمعني الرفاه المجتمعي، على رغم من هذه التطورات نشأت في ظل الغالب الأعم منها في ظل صراعات طويلة وجارفة لمعني الحياة نفسها نهايك عن البحث لقيم الرفاه.

فكرة الديمقراطية نفسها نشأت في ظل صراع دام لعقود طويلة من الحروب الطاحنة بين قطبي كل منهما يرى أنه الأصلح لقيادة الحياة (الكنيسة والملك) إلا أنها كمفهوم تظل تجربة انسانية يوخذ ويرد عليها باعتبار أن الديمقراطية هي طريقة في الحكم لحياة مثالية خالية من العيوب ، وعلى هذا الأساس فهي طوباوية بكل معنى الكلمة طالما هي تسعى إلى المثل الأعلى ولا تتصل بالواقع أي لا يمكن تحقيقها.

وكما أكد ذلك الثائر (تشي جيفارا) حيث كان يعتقد أن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن تحقيقها إلا بعد ثورة اشتراكية ، ويعتقد جيفارا أن الطريقة الوحيدة لخلق ديمقراطية حقيقية هي القضاء على الطبقية القمعية الموجودة في المجتمعات الرأسمالية وغيرها من المجتمعات.

اما الفيلسوف (ابن رشد) فيؤكد أن الديمقراطية هي نظام سياسي يتم تطبيقه في حال كانت الناس مؤهلة لتحمل مسؤولياتها ، وهو ما يتطلب تعليما ووعيا كافيا لدى الشعوب.

وحتى لو تحقق الوعي بدرجة ما والتعليم وبقية المستلزمات الضرورية للحياة ، فهل ستتحقق الديمقراطية بوجود مـَن يمتلك رأس المال والسلطة والإعلام المخيف الذي يؤثر على عقول وأذواق البشر في كل مكان ؟ وكيف تتحكم هذه القوى بنتائج الانتخابات وتعمل على فوز من تريد ، فنحن نعتقد ان الديمقراطية هي مسألة طوباوية تمامًا . وإذا عدنا إلى ما قاله (جورج برنارد شو) الكاتب المسرحي الايرلندي الشهير وهو مفكر اشتراكي عن الديمقراطية حيث قال : (إن الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل لأن أغلبيتةُ من الحمير ستحدد مصيرك) وهنا يؤكد إلى ما ذهبنا إليه ان الديمقراطية في المجتمعات المتخلفه لا تصلح بسبب تخلفها وجهلها ، لأن الديمقراطية تحتاج إلى مستوى من الوعي والتطور الحضاري.

واقعنا والديمقراطية:
عند البحث وتتبع التجارب السودانية في محاولة خلق حياة ديمقراطية حقيقية، وجدنا أسباب التعثر والفشل والانتكاس التي أصابت تلك التجارب محصورةً في كثير من الأسباب منها:
عدم وضوح الفكرة الديمقراطية في نفس الشعب الذي تُعَد الركيزةَ الأساسية في العملية الديمقراطية، فالشعب هو أساس العملية الديمقراطية التي تعني حكمَ الشعبِ نفسَهُ.

– عدمُ وضوح فكرة الديمقراطية في الحكم والتداول السلمي للسلطة زَهد الشعب في الديمقراطية والنضال من أجلها حتى وجدنا بعض الناس تهتف ضد المؤسسات والسلطات التي انتخبَتْها عندما حرضَتْها القوى المستبدة ضد المؤسسات الديمقراطية.
– عدم وضوح فكرة الديمقراطية لدى النخب التي تقود الشعوب، فالنخبُ التي وُلدت في حقب الاستبداد الاستعماري – في غالبها – نخبٌ أيديولوجية غير برامجية، مقسومةٌ بين نخبٍ عِلمانية ليبرالية، كل هدفها تعظيم الحريات الشخصية، وعلى رأسها الحريات الجنسية، ومحاربة البيئات المحافظة، ونخبٍ إسلامية لا تهتم بالحريات الشخصية، وتحاول فرض نمط محدد من السلوك الاجتماعي على حياة الناس ومعاشها دون إيجاد وسائل مستحدثة للنهوض

– التعصب للقبيلة علي حساب الدولة ومؤسساتها و عدم الإعتراف بالمنظومة المدنية نفسها مقبال القبيلة.

وعلي هذا التباعد نشأت نخب سياسية أقل مايقال عنها (عقليتها قبلية وقلوبها ديمقراطية) إذ كان من المأمول أن تحدث النخب نقلة نوعية للطبيعة القبلية نحو الأخذ بأسباب الحداثة الديمقراطية والانطلاق بها نحو بناء مؤسسات مدنية متماسكة قادرة علي احتواء المؤسسات التقليدية وإحلالها بمؤسسات مدنية مبنية علي أسس راسخة تصنع مرجعية وحاكمية لايمكن المساس بها أو تجاوزها ولها من الهيبة مايجعلها تردع كل من يخرج عن نسقها القيمي والأخلاقي مهما كانت الأسباب والدوافع.

وهنا كانت المفارقة العجيبة حيث عملت هذه النخب رغم المحاولات علي بقاء هذه الحالة من التوهان في ظل القبيلة والإدارة الأهلية ، لأسباب ربما الهدف الأساسي منها مصالح (شخصية أو حزبية أو حتى نخبوية) ليتم استغلالها لمصلحة هذه التوصيفات الثلاثة على المستوى داخل البلد. أما السبب الآخر والاكثر خطورة هو أيادي خارجية تدفع ببقاء الحال علي ماهو علية كواحد من أدوات عدم الاستقرار وهو منهج استعماري زرع قبل مقادرة المستعمر للبلاد ثم تلغفتة ادوات الإمبريالية العالمية لتوظيفه في مشروعها علي الهمينة العالمية.
وهذا نتاج واقعنا الحاضر
كما لا يخفى على أحد، كيف يغلف هذا البقاء ويسعر عند الحوجة فكانت النتائج الاجتماعية الخطيرة إذ اذدادت الصراعات القبلية بدافع الثأر أو الاستفزازات أو الصراع على النفوذ والثروة، وترتدي تلك الصراعات في بعض الأحيان طابعًا مسلحًا، وفي النتيجة يتعمق ويستفحل العداء بينها ليولد، بدوره، دورات جديدة من الصراع المسلح. إذ تحمي القبيلة أفرادها من القبائل المعادية في ظل عجز السلطات الحكومية، وفي كثير من الأحيان تكون هذه الحماية لأناس ارتكبوا جرائم جنائية أو سياسية، ومن ثم تكون القبيلة عائقًا حقيقيًّا أمام إنفاذ القوانين، وإلغاء دور الحكومة في مكافحة الجريمة والفساد.
ومن الأهمية بمكان أن نتناول هنا مسألة هامة للغاية، وهي تغليب الولاءات القبلية على الانتماء الوطني، وهذه الحقيقة لا ينكرها إلا المدافعون عن بقاء النظام القبلي ، استنادًا إلى المبدأ القائل بأن القبيلة هي الوطن الحقيقي، الذي لا يمكن الاستغناء عنه، أما الدولة فيمكن الاستغناء عنها؛ لأنه في حالة فشلها أو تلاشيها، تقوم القبيلة بوظائفها.
وغنيٌّ عن البيان أن هذا التفكير القبلي يعرقل بناء الدولة القومية، التي لا يمكن أن تنشأ إلا على أساس الانتماء الوطني، وكلنا يعرف أن تغليب مصالح القبيلة على المصالح العامة قد يكون هو المدخل لتوظيفها في تنفيذ المشاريع السياسية الأجنبية.
ومن هذا يتبين خطورة القبلية على بناء الدولة المدنية، فالطريق إلى عالم الحضارة والرفاهية لا يمر عبر المؤسسات التقليدية، التي تعارض الحداثة، وإنما عبر إذابة كل الكيانات القبلية في إطار قومي واحد، أساسه السياسي هو الدولة القومية.
لا يمكن التخلص من القبلية إلا بتغيير الظروف الاقتصادية والاجتماعية للكيانات القبلية من خلال تطور الصناعة والتجارة الداخلية ونمو سكان الحضر وإشاعة التعليم بكل مستوياته في أرجاء البلاد لتكوين مجتمع وطني، لا وجود فيه للتنظيم القبلي والقبلية.
أما الأحزاب فقد فشلت فشلا ذريعا في تحقيق حلم البلاد في إنتاج نظام ديمقراطي مدني قائم علي أساس حفظ الحقوق والواجبات لكل افراد في المجتمع دون تمييز عرقي أو جهوي أو مناطقي، وليس ادل من ذلك في تحقق ابسط مقومات الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها ناهيك علي تحقيقها علي المستوي القومي للبلاد
لذلك بناء مؤسسات الدولة وحاكميتها مقدم علي تأسيس الأحزاب السياسية وفرض الهيبة والقداسة علي المؤسسات وأحكام القانون علي القيم والمعاملات كفيل بأن ينتج أحزابا ذات برامج ومشارع يمكن أن تساهم في البناء والرقابة وفقاً لدستور يوضع في ظروف بعيدة عن تشاكسات الأحزاب (الرخوة) التي من صنع مجتمع تحكمة القبيلة والإدارة الأهلية.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.