منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي *السودان: عدالة مؤجلة وتسوية محتملة*

0

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

*السودان: عدالة مؤجلة وتسوية محتملة*

شقلاوي

في خضم حرب السودان التي أحرقت المدن وكادت أن تطيح بالدولة، تتسابق المبادرات الإقليمية والدولية لطرح تسويات سياسية . غير أن الواقع الشعبي يفرض معادلة مختلفة: لاعدالة بلا محاسبة، ولا سلام دون مساءلة. في هذا المقال، نحاول تحليل أسباب تعثّر مشاريع التسوية أمام الإرادة الشعبية، ولماذا لا يزال الشارع السوداني هو من يملك الكلمة الفصل.

يمر السودان بلحظة تاريخية تتفاقم فيها الأزمة السياسية، في مشهد لم يعد محصورًا في نطاقه المحلي، بل تمدد إلى أبعاده الإقليمية والدولية. الحرب المندلعة بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع منذ أبريل 2023 تحوّلت إلى مأساة إنسانية وتشظٍّ اجتماعي غير مسبوق، دفعت الملايين إلى النزوح، وتركت المدن الكبرى خرابًا منسيًا.

وسط هذه الكارثة، تتصاعد الجهود الخارجية لطرح ما يُعرف بـ”التسوية السياسية”، بدءً من الاجتماعات الأمنية الإقليمية، وانتهاءً بالتصريحات الدولية، التي تهدف ـ وفقًا للبيانات الرسمية ـ إلى إنهاء الحرب و”إعادة الاستقرار”. ففي الاسبوع الماضي استضافت مدينة العلمين المصرية لقاءً جمع الرئيس البرهان وقائد قوات شرق ليبيا خليفة حفتر، برعاية مصرية، لمناقشة التوترات على الحدود الثلاثية . تلا ذلك بحسب “الشرق “اجتماعا ثلاثيا رسميا في القاهرة شارك فيه مسؤولون من مصر وليبيا والسودان، ركّز على التحديات الأمنية، في ظل اتهامات متزايدة لحفتر بدعم مليشيا الدعم السريع.

دوليًا أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب السودان إلى الواجهة خلال خطاب ألقاه في قمة اقتصادية أفريقية عُقدت بواشنطن الأسبوع الماضي، أشار فيه إلى أن “السودان وليبيا من بين المناطق التي نعمل على تسهيل السلام فيها”، مؤكدًا أن “الغضب في أفريقيا بدأ يجد طريقه إلى الحل”. غير أن هذه التصريحات ، لم تُترجم إلى مبادرات فعلية، ولا تخفي حقيقة أن السودان لا يمثل أولوية ضمن الأجندة الأميركية في افريقيا ، التي تركز على المعادن النادرة، واحتواء النفوذ الصيني والروسي، وملف الهجرة والإرهاب، كما في حالات الكونغو، دول الساحل، والصومال.

ورغم هذا الحراك، تصطدم هذه المسارات بعائق كبير يتمثل في الرفض الشعبي لأي تسوية تُعيد مليشيا الدعم السريع إلى المشهد السياسي أو العسكري تحت أي غطاء. هذا الرفض نابع من سجل واسع من الانتهاكات الوحشية التي ارتكبتها هذه القوات، خاصة في الجنينة، ونيالا، والجزيرة، حيث وثّقت منظمات حقوقية، من بينها “هيومن رايتس ووتش” و”أطباء بلا حدود”، وقائع تطهير عرقي وقتل جماعي ضد المدنيين “HRW، مايو 2024؛ MSF، يونيو 2024” لهذا فإن الموقف الشعبي لا يرفض التسوية من حيث المبدأ، بل يشترط أن تقوم على عدالة حقيقية ومساءلة قانونية، لا على صفقات فوقية تُمرر تحت ضغوط إقليمية أو توازنات دولية.

ما يجري حاليًا، بحسب مراقبين، لا يتجاوز ما يمكن تسميته بـ”الإجراءات الإنسانية الأمنية”، كما في مسار جدة، الذي ركز على وقف إطلاق النار، وإخراج مليشيا الدعم السريع من المدن والمرافق الحيوية إلى معسكرات تمهيدًا للدمج أو التسريح. هذا المسار، وإن كان ضروريًا للحد من الكارثة الإنسانية، لا يشكّل تسوية سياسية شاملة، بل يمثل معالجة مؤقتة لا تجيب عن الأسئلة الجوهرية المتعلقة ببنية الدولة، والعدالة الناجزة والمحاسبة.

في المقابل، تبرز مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها رئيس الوزراء د. كامل إدريس الأسبوع الماضي كمحاولة تسعى إلى بلورة رؤية سودانية لإعادة تأسيس الدولة، عبر عملية سياسية تشمل القوى المدنية والمجتمعية، بعيدًا عن التدخلات الخارجية. وهي المبادرة الوحيدة حتى الآن التي تنطلق من داخل البلاد ، لا من خارجها، وتعكس تطلعًا لبناء مشروع وطني جامع، رغم التحديات السياسية والهيكلية التي تواجهها.

في خلفية المشهد، تبدو الولايات المتحدة منقسمة بين مؤسساتها الرسمية وتوجهات شبكات النفوذ غير الرسمية، لا سيما في ظل سعي شخصيات مقربة من الرئيس ترامب إلى دفع الملف السوداني نحو طاولة المصالح الخليجية. يُشار هنا إلى دور مسعد بولس، رجل الأعمال الملقب بـ”رجل التسويات”، في التنسيق لعقد مؤتمر رباعي يضم الإمارات والسعودية ومصر والولايات المتحدة، بدفع من أبوظبي، التي تسعى لإعادة تموضعها السياسي في السودان عبر بوابة التسوية، بعد اتهامها المباشر بدعمها المستمر لمليشيا الدعم السريع ، بحسب موقع Axios، يوليو 2024.

هذه الإجراءات تسلط الضوء على كيفية تحوّل القرار الأميركي بشأن السودان إلى ساحة صراع نفوذ بين الفاعلين غير الرسميين، في نموذج يعكس تراجع دور المؤسسات الأميركية التقليدية في صياغة السياسات الخارجية.

وبناءً على ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن أي تسوية لا تنبع من الإرادة السودانية، ولا تقوم على الاعتراف بدماء الضحايا وإنهاء الإفلات من العقاب، ستظل بلا شرعية . لقد أثبتت التجارب أن ما يُفرض من الخارج لا يدوم، وأن الوجدان الشعبي الذي تشكّل عبر الحرب والمعاناة لن يرضى بأقل من عقد اجتماعي جديد، يعيد للدولة سيادتها، وللعدالة مركزيتها. السودان اليوم يحتاج إلى مشروع وطني جامع، يؤسس لدولة يكتب دستورها شعبها، لا تسوية تُعيد إنتاج الفشل أو تبرّئ الجلادين.

دمتم بخير وعافية.
السبت 12 يوليو 2025م Shglawi55@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.