زاوية خاصة / نايلة علي محمد الخليفة *قيادة السودان… صمت معيب أمام اعتقال فارس الكرامة*
زاوية خاصة /
نايلة علي محمد الخليفة
*قيادة السودان… صمت معيب أمام اعتقال فارس الكرامة*
منذ أسبوع أو ما يزيد، يعيش الشارع السوداني على وقع أنباء اعتقال قائد فيلق البراء بن مالك ، المصباح أبو زيد طلحة ، على يد السلطات الأمنية المصرية ، الرجل الذي يحظى بسمعة واسعة بين مؤيديه كقائد ميداني شجاع وصاحب سجل مشهود في ساحات القتال ومسارح العمليات ، أصبح فجأة محور جدل سياسي وشعبي ، وسط غياب أي إفادة رسمية واضحة حول مكان احتجازه أو حالته الصحية ، سواء من الجانب المصري الذي اعتقله أو الجانب السوداني الذي يعد المصباح أحد أهم ركائزه العسكرية في الميدان.
هل يعلم الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أن أحد فرسان الكرامة ، وجندياً من جنوده الذين تصدوا للمليشيا وأخرجوها من كل شبر احتلته في سنار والجزيرة والخرطوم والنيل الأبيض ، وما زال يطاردها في سهول كردفان وصحارى دارفور ، يقبع في قبضة الأمن المصري؟ ، وهل يعلم الفريق شمس الدين الكباشي والفريق ياسر حسن العطا أن هذا القائد الذي عبد لهم الطريق إلى الخرطوم بدمه وعرقه وتضحيات رجاله ، محتجز اليوم في القاهرة بلا سند قانوني ولا بيان يوضح مصيره؟ .
أم أن قيادة السودان لا ترى في اعتقال أحد أركانها العسكرية قضية تستحق أن ترفع لها الهاتف ، أو تحرك لشأنها الدبلوماسية أو تمارس من أجلها ضغطاً على الجانب المصري؟ .
في الأيام الماضية ، زاد الغموض مع البيان الذي نُشر على الصفحة الرسمية للمصباح ، والذي حمل لغة مطمئنة ودعوة للتهدئة ، لكنه لم يبدد الشكوك ، بل فتح الباب للاحتمال بأنه صدر تحت ضغط أو من جهة تتحكم في هاتفه الشخصي ، هذه الشكوك تعززت بعد إعلان تظاهرة في مدينة بورتسودان كان مسارها نحو مقر السفارة المصرية للمطالبة بإطلاق سراحه ، إضافة إلى ما أكده أحد قادة كتائب البراء بن مالك ، مهند فضل بأن المصباح أُقتيد من المستشفى ، بعد شطب البلاغات المرفوعة ضده إلى جهة مجهولة ، وكذلك إفادات أسرته اكدت ماذهب إليه مهند، رغم أن المعلومات المتواترة كانت تشير إلى إطلاق سراحه.
الموقف المخزي الذي مثّلته السفارة السودانية بالقاهرة لا يقل صدمة عن الصمت الرسمي ، إذ لم يصدر عنها أي بيان أو تحرك معلن ، حتى وإن افترضنا أن المصباح مجرد مواطن من الدرجة الثالثة ، لا قائد ميداني جندل المليشيا في سوح الوغى ، بل الأمرُ من ذلك ، إن السفير عماد عدوي ظهر في جلسة شعبية ، فيها من الرقص واللهو ، ما يشير إلى أن سعادة السفير يجري وراء سفاسف الأمور التافهة ، ويترك ما هو أهم ، في وقت كان عليه أن يطرق أبواب المسؤولين المصريين لمعرفة أين يقبع الرجل ومصيره.
حتى هذه اللحظة ، لا توجد أي تأكيدات على إطلاق سراح المصباح ، أو أي معلومات رسمية عن الموقع الذي أُقتيد إليه ، لا قبل أو بعد خروجه من المشفى ، وفي ظل هذا الصمت ، تتعالى الأصوات المطالبة بتدخل الدولة السودانية والجيش ، للضغط على الجانب المصري ، خاصة أن الرجل مصاب جراء عمليات ميدانية ويعاني من داء السكري ، مما يجعله في وضع صحي حساس.
إن صمت القيادة السودانية أمام هذا المشهد ، وغياب أي تحرك علني وفاعل ، ليس فقط تخاذلاً عن نصرة رجل قاتل تحت رايتها ، بل هو رسالة سلبية لكل جندي في الميدان ، مفادها أن التضحية قد تُكافأ بالتجاهل إذا وقع البطل في الأسر خارج الحدود.
المصباح أبو زيد طلحة ليس مجرد قائد ميداني ، بل رمز من رموز المقاومة ضد المليشيات ، وصموده في الجبهات كان جزءاً من صمود الجيش نفسه ، بل الأصح كان سبباً في صموده ، وأن طول أمد الاعتقال يفتح باب الشيطان للتأويلات ، ويضع جهات عدة في قفص الاتهام ، لذا لابد للدولة أن ترفع قناة التواصل مع الجهات المصرية إلى درجة أعلى ، لصعوبة التكهن بما هو قادم من الشارع ومن أنصار المصباح ، الذي تمدد حبه في قلوب الناس ، رغم أن المد الجارف من شباب البراء ومحبيهم يتحلون بأعلى درجات الانضباط ، ويتركون الأمر لجهات الاختصاص لحل العقدة ، ولكن إذا لم تفلح الجهود في إطلاق سراحه لا يمكن التكهن بالقادم.
إذا كانت مصر ترى في نفسها حليفاً ، فليكن هذا التحالف على قاعدة الاحترام المتبادل ، لا على حساب كرامة قادة السودان وجنود ، وإذا كانت القيادة السودانية عاجزة عن حماية رجالاتها ، فلتصارح شعبها بذلك بدل أن تلوذ بالصمت.
يبقى السؤال المعلق ، هل نحن أمام مسار حل حقيقي يفضي إلى إطلاق سراح المصباح ، أم أن ما يجري مجرد محاولة لشراء الوقت وامتصاص غضب الشارع السوداني وتنفيسه… لنا عودة.