*أبوالقاسم قور رائد ثقافة السلام* د. هويدا صلاح الدين العتباني
*أبوالقاسم قور رائد ثقافة السلام*
د. هويدا صلاح الدين العتباني

جامعة النيلين
لقد كان قدرنا في أحلك أيام الحرب التي أبتلي بها السودان أن نكتوي في الأيام الماضية بنار الفقد لشباب يافع نضر على رأسهم الشهيد مهند إبراهيم فضل الذي أستبسل في الحرب وسجل للتاريخ أعظم بطولة.
وزادت مرارة الحزن في الخبر المفاجيء الذي تلقيناه حين نعى الناعي وفاة البروفسور أبوالقاسم قور الذي كان له الفضل الأعظم في تأسيس مركز ثقافة السلام بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. وبذلك فقد ترك قور فراغاً كبيراً يصعب ملأه بشخص آخر ، فهل خبت مصابيح كنا نستضيء بها في عالم دراسات السلام والتنمية ؟
لقد جمعني بأبي القاسم قور تخصص السلام والتنمية وثقافة السلام ، وهو تخصص حديث اعتمدته وزارة التعليم العالي، و أولته منظمة اليونسكو اهتماما خاصا، وخصصت له كرسي ومولت و دعمت بعض برامجه خاصة في مجال التدريب. وقد بزل قور كل عزيز ونفيس ، فلم يكن السلام بالنسبة له مجرد كلمة أو مصطلحاً عابراً ، بل كان مفهوما وقيمة تطبق .
وقد أنعم الله على قور بنعمة التصالح مع النفس وجمع في أجمل صورة بين تخصصي المسرح وثقافة السلام ، تخصصان يبدوان في الوهلة الأولى أن لا علاقة بينهما ، لكن أفلح قور أن يجعلهما توأمان لا ينفصلان ، فالسلام الحقيقي الذي يبدأ من المجتمع هو السلام القاعدي عبر أهزوجة أو أبيات من الشعر أو تمثيلية في مسرح، تدخل مادتها الوجدان و تحفز العواطف لترتبط بعدها بالعقول الرافضة للنزاع المحبة للسلام .
في آخر لقاء حافل له ، كان لنا شرف مشاركته الحيوية في ورشة تأسيس قسم السلام والتنمية بكلية تنمية المجتمع بجامعة النيلين ، وفي ذلك المحفل لم يكف عن التحفيز والتشجيع لذلك البرنامج سواء بالأفكار و الخطط أو مدنا بكتبه ومؤلفاته أو تعريفنا بعلماء وأساتذة عالميين .
وفي مؤانسات جانبية معه ذكرت له أن فرانسيس دينق ذكر أن والده دينق مجوك تزوج بمئتي إمرأة وله أربعمائة من الإخوة والأخوات لا يعرف بعضهم وان أشقائه خمسة فقط ، فأخبرني قور أن أحد شقيقات فرانسيس هي جدته ، فهو على ذلك وليد التنوع الإثني والديني والقبلي ، وربما كان لهذا اثراً إيجابياً حمله على تطبيق رسالة السلام .
كان قور متألقا في كل شيء حوله ، وحين يصعد المنبر ليشرح مادته أو يستعرض ورقة في محفل علمي يفعل ذلك بأدق صورة وأرقى لغة وأضبط أسلوب فيخلق رابطا ادبيا وأكاديميا مع غيره .
تصالحه مع نفسه يعكس إبتسامة تكاد لا تفارقه، وهنا يلتقي ابو القاسمان، أبو القاسم قور و أبوالقاسم الشابي حين ينشد الشابي قائلا
خذ الحياة كما جاءتك مبتسما في كفها الغار أو في كفها العدم وأرقص على الورد و الأشواك متئدا غنت لك الطير أو غنت لك الرجم
لقد كانت لحظات حزينة عصيبة شديدة على النفس لكل من عرف قور أو صادقه أو عمل معه وهو يتلقى خبر وفاته المفجع ،وقد وجدت نفسي اذرف دمعاً ثخينا مرددة انا لفراقك يا أبا القاسم لمحزونون رحم الله أبوالقاسم قور و احسن مثواه وأدخله جنة النعيم .
