*رد على مقال الأستاذ حاج ماجد سوار: من يفكر للسلطة ومن ظهيرها السياسي* بقلم د. محمد عثمان عوض الله
*رد على مقال الأستاذ حاج ماجد سوار: من يفكر للسلطة ومن ظهيرها السياسي*
بقلم د. محمد عثمان عوض الله
11 أكتوبر 2025
أسئلة مشروعة تبحث عن إجابة
الأستاذ سوار طرح جملة من الأسئلة الجوهرية والمشروعة تتعلق بالمشروع السياسي الذي يحكم المرحلة الانتقالية الراهنة، وبموقع الجيش والسلطات الانتقالية من المفاوضات الجارية والوساطات المتعددة، وبما يجري في الكواليس من تفاهمات معلنة أو سرية.
أعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة لا يمكن أن تكون مباشرة أو قاطعة. ولعل جميع الخيوط تنتهي عند البرهان، الذي يظل حتى هذه اللحظة هو صاحب القرار النهائي في مسار الدولة والمرحلة الانتقالية.
أولا: غياب المشروع السياسي المحدد
طوال الفترة الماضية، لم يظهر أن للبرهان مشروعا سياسيا ثابتا أو محدد المعالم. ولكن من الملاحظ أيضا أنه ظل ملتزما دوما بجملة من الثوابت الوطنية التي تستند إلى عقيدة القوات المسلحة ومهامها الأساسية في حماية الوطن وأمنه وإن كانت عقيدة القوات المسلحة لا تدخل مباشرة في تفاصيل الاختيارات السياسية، مما أتاح للبرهان هامشا كبيرا للمناورة السياسية.
بهذا المعنى، لم يكن البرهان يوما صاحب مشروع سياسي خاص، بقدر ما كان يتفاعل مع البيئة السياسية والإعلامية ويخضع لتوازنات القوى وضغوط الرأي العام و يتفاعل معها من باب المناورة.
ثانيا: البرهان بين ضغط الرأي العام وتبدل التحالفات
في مراحل مختلفة من عمر الفترة الانتقالية، خضع البرهان لتأثير الرأي العام والإعلام بصورة واضحة.
فعندما كانت قحت تتسيد المشهد وتملك ناصية الخطاب والإعلام، تحالف معها البرهان وسار في تنفيذ مشروعها السياسي و منحها صلاحيات واسعة من السلطة التنفيذية و التشريعية انذاك.
غير أن فشل قحت في إدارة الدولة، وتراجع شعبيتها، وانكشاف مشروعها أمام الرأي العام، دفع البرهان إلى مراجعة موقفه منها، خاصة أمام ضغط الراي العام المتصاعد، فأصدر القرارات التصحيحية المشهورة.
لكن رغم ذلك، ظل البرهان في منزلة بين المنزلتين، لم يمض في تنفيذ قراراته التصحيحة الى نهايتها، و لم تنقطع الاتصالات بينه و قحت بضغط خارجي، مما أدى في النهاية إلى الاتفاق الإطاري الذي أدى الى اندلاع الحرب الراهنة.
ثالثا: تحول مركز القرار بعد الحرب
بعد اندلاع الحرب، دخلت البلاد في مرحلة أمنية بحتة، وأصبحت المؤسسة العسكرية هي المرجعية الأعلى في اتخاذ القرار. و مما زاد في الضغط على البرهان هو إلتفاف الرأي العام الوطني بقوة حول الجيش كمؤسسة، فسانده واعتبره ممثلا لسيادة الدولة وكرامة الوطن.
إلا أن هذا الالتفاف لم يمنع ظهور بعض الخلافات داخل المؤسسة العسكرية بين البرهان وعدد من كبار الجنرالات المقربين، وهي خلافات لا تعني انقساما بقدر ما تعكس هامش المناورة الواسع الذي يتمتع به البرهان في إدارة المرحلة و مقدرته على التحكم.
رابعا: الموقف من الإسلاميين والرأي العام
رغم أن الإسلاميين يشكلون نسبة كبيرة من الرأي العام الداعم للجيش، وظلوا يقدمون له الدعم في معركة الكرامة، فإن البرهان يتجنب باستمرار ظهور أي علاقة أو اجتماعات أو تنسيق رسمي معهم. كما أن الاسلاميين أنفسهم ظلوا على الدوام يحترمون حق البرهان في التعبير عن خياراته، وإن تقاطعت مع مواقفهم، انطلاقا من الصلاحيات المؤسسية التي تخول له.
موقف البرهان هذا الموقف يعكس حرصه على البقاء في منطقة وسطى تتيح له هامش الحركة بين مكونات الساحة السياسية، دون أن يحسب بالكامل على أي تيار منها. رغم أن الخيارات ظلت دائما تتأرجح بين ضغط الراي العام بما فيه من الاسلاميين و الضغوط الدولية لصالح قحت.
ومع ذلك ظل الرأي العام الوطني ومؤسسة الجيش هما العاملان الأكثر تأثيرا في قرارات البرهان، ولذلك ظل ملتزما بثوابت وطنية عامة دون تبني مشروع سياسي محدد.
خامسا: العوامل المساعدة والبيئة المحيطة
استفاد البرهان من وجود عدد من الخبراء العسكريين والمدنيين الذين ظلوا يسندون ويقدمون المشورة والعون بدوافع متعددة دون القدرة على ممارسة أي ضغط واضح على قراراته (رئيس الوزراء و الوزراء و المستشاون و غيرهم)، مما وفر له رصيدا من الكفاءات في إدارة الملفات الداخلية والخارجية دون تشكيل اي مراكز قوى داخلية تؤثر في خياراته.
أيضا ظل عامل الزمن لعبا لصالحه، إذ مكنه من إطالة أمد الموازنة بين القوى المتصارعة أو حتى الداعمة دون حسم الانتماء لأي مشروع منها.
سادسا: الموقف الراهن واتجاه البوصلة
اليوم، ومع اقتراب الحسم العسكري واتضاح معالم نهاية الحرب، تقف البلاد على أعتاب تحولات سياسية كبيرة.
وفي هذه اللحظة الدقيقة، يواجه البرهان ضغطين كبيرين و متوازيين:
ضغط الداخل ممثلا في المؤسسة العسكرية والرأي العام الوطني الذي يميل أكثر نحو مشروع وطني ذي ملامح إسلامية.
وضغط الخارج المتمثل في الدول والمؤسسات الغربية والإقليمية التي تدفع باتجاه مشروع الإطاري وتحالف المليشيا وقحت/تقدم/صمود (أو ما يشبهه).
ويبقى السؤال الحاسم:
أين يقف البرهان اليوم؟ وإلى أي جهة ستتجه خياراته في المرحلة القادمة؟
الإجابة لا تزال رهينة بميزان القوى بين هذين الضغطين، الداخلي والخارجي، ومن المرجح أن تميل الكفة في النهاية لصالح الطرف الذي يمتلك التأثير الأكبر عليه دون أن نقطع بجزم محدد لأن أدوات الضغط ظلت متغيرة و متجددة و متأرجحة.
ان غياب مشروع سياسي محدد أو متفق عليه داخل مؤسسات الحكم الانتقالي، يعكس حالة تفاعل معقدة بين ضغوط الرأي العام والجيش من جهة، وضغوط الخارج وقوى الإطاري من جهة أخرى. والبرهان ظل حتى الآن، يدير هذا التوازن بحذر شديد، دون أن يظهر انحيازا قاطعا، بينما تظل الإجابة النهائية عن الأسئلة التي طرحها الأستاذ سوار معلقة بقراره القادم، الذي سيتحدد تبعا لمن يملك الضغط الأقوى عليه في لحظة الحسم.