*الخلاف مع نظام حكم أو حزب هل يبرّر إبادة شعب؟* بقلم رشاد فراج الطيب
*الخلاف مع نظام حكم أو حزب هل يبرّر إبادة شعب؟*
بقلم رشاد فراج الطيب

من حق أي دولة أن تختلف سياسيًا أو أيديولوجيًا مع نظام حكم او جماعة او حزب في دولة أخرى ، وأن تتباين مواقفها من سياسات أو توجهات ذلك النظام أو ذلك الحزب ، ولكن هل يحق لأي دولة تحت أي ذريعة أو مبرر أن تحوّل خلافها السياسي والفكري او المذهبي إلى حربٍ بالوكالة تُراق فيها دماء الأبرياء ، وتُدمَّر بها الأوطان علي رؤس السكان .
لقد واجه السودان في محنته الراهنة مثالًا صارخًا على هذا النوع من التدخلات السافرة ، حين اختار العدوان الخارجي وبعض من وافقوه إقليميًا ودوليًا أن يعبّروا عن خصومتهم مع نظام الحكم في السودان أو مع حزب الجماعة الإسلامية التي كانت سابقا تحكم البلاد ، حتي وان بقي لها أثر أو وجود في المشهد السياسي والاجتماعي بعد اسقاطها وعزلها عن الحكم برغبة الشعب ، اختاروا أن يعبروا عن خصومتهم عبر تقديم دعم مادي وعسكري وسياسي بلاحدود لجماعة متمردة مسلحة انشقت علي الجيش والدولة ، وارتكبت أبشع الجرائم في التاريخ الحديث بحق الشعب السوداني بأكمله تحت ذريعة مكافحة تلك الجماعة !
مع التأكيد أن الشعب هو صاحب القرار ومصدر السلطات في بقاء حزب أو جماعة في الحكم أو في المشهد السياسي او تنحيته ، سواء بآليات الديمقراطية أو بآليات الثورة فالأمر هو شأن سياسي وسيادي داخلي .
هل يبرّر اختلاف سياسي أو أيديولوجي مع نظام حكم مضي او بقي ، أن تُمنح قوة خارجة على القانون و النظام ماكينات الموت والدمار ؟ لممارسة القتل الجماعي ، والاغتصاب ، والتطهير العرقي ، وتشريد الملايين ومحو الدولة .
إنّ ما يحدث اليوم في السودان يتجاوز حدود الخصومة السياسية الفاجرة إلى مرحلة الجريمة غير الأخلاقية وغير الإنسانية .
فالجماعة الارهابية التي تم دعمها وتمويلها وتسليحها تحت ذرائع واهية ، لم تُخفِ مشروعها العنصري والإقصائي والتدميري ، ولم تتردد في ارتكاب فظائع وثقتها بايديها الآثمة وهي تفخر بما ارتكبت وعاثت من الفساد في الأرض وفي حق المدنيين الأبرياء ، من قتل وتمثيل بالجثث وحرق للمدن والقرى واغتصاب للنساء ودفن العزل احياء ، في انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني ولكل المواثيق والاخلاق التي تحكم السلوك المتحضر في النزاعات والحروب .
لقد أثبتت تقارير المنظمات الدولية المستقلة ، وشهادات الناجين والبعثات الأممية ، أن ما جرى في مدن مثل الجنينة والفاشر ونيالا وقري الجزيرة وغيرها لايمكن تفسيره إلا كجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان . ومع ذلك ، ما زالت العواصم الداعمة للعدوان تتصرف وكأنّها خارج التاريخ أو فوق القانون ، فهي تشتري المرتزقة من أصقاع الأرض ، وتوفر لهم السلاح عبر الحدود ، وتوفّر الغطاء السياسي والإعلامي للجماعة التي تُمعن في تدمير السودان دولةً وشعبًا وهوية علي مرأي العالم وسمعه !
هذه المواقف لا تضر السودان وحده ، بل تُهدد الأمن الإقليمي برمته ، وتفتح الباب أمام فوضى تمتد عبر الحدود ، حيث تتحول الميليشيات إلى أدوات ضغط ومقايضة وتصفية حسابات ، وتصبح الدول رهائن لمشاريع الارتزاق والإرهاب العابر للأوطان .
إنّ من يدعم اليوم جماعة متمردة ترتكب جرائم الإبادة في السودان ، لا يختلف كثيرًا عن من يرتكب الجريمة بيده ، لأن القانون الدولي يحمّل من يقدّم الدعم العسكري أو المالي أو اللوجستي لجماعات كهذه المسؤولية المشتركة في الجرائم المرتكبة ، ولكن السؤال أين هو القانون الدولي وأين هي مؤسساته مما يحدث ؟
والسودان علي كل حال ، وهو يخوض معركته للدفاع عن كيانه وسيادته ، يحتفظ بحقه الكامل في اللجوء إلى كل الآليات القانونية الدولية لمساءلة من شارك أو ساهم أو سهّل ارتكاب هذه الجرائم وماترتب عليها من دمار وخراب ، أيًّا كانت صفته أو موقعه أو دوافعه ، والزامه بالتعويض الكامل عن كل ضرر وقع عاجلا ام آجلا .
إنّ الخلاف مع نظام حكم لا يمنح أي جهة حقًّا في تدمير دولة بأكملها ، كما أن الانتقام من حزب أو جماعة لا يجوز أن يتحول إلى انتقام من شعب بأكمله .
إن السياسة حين تنفصل عن الأخلاق تُصبح وجهًا آخر للجريمة والقبح والفوضي ، وما يُرتكب في السودان اليوم جريمة إرهاب واعتداء علي الإنسانية قبل أن يكون عدوانًا على وطن وشعب مسالم .
لقد آن الأوان لأن يتحرك السودان عبر مسارات متوازية ، مسار دبلوماسي وقانوني دولي يطالب بتحقيق أممي مستقل ، ويكشف بالدليل الموثق أسماء الدول والجهات التي زوّدت المليشيا بالسلاح والتمويل ، تمهيدًا لرفع دعاوى أمام مؤسسات العدالة الدولية .
ومسار وطني سياسي يوحّد الجبهة الداخلية ، ويقطع الطريق أمام محاولات التدويل وفرض الوصاية ، عبر بناء موقف وطني جامع يُعبّر عن إرادة السودانيين في الحفاظ على دولتهم وهويتهم وسيادتهم دون تدخل يمزق البلاد ويحقق هدف العدوان .
ومسار إعلامي توثيقي يفضح جرائم المليشيا والداعمين لها ، ويكشف للرأي العام العالمي الصورة الحقيقية لما جرى في السودان بعيدًا عن التضليل والتعتيم والخلط .
لامبرر مهما كانت الذرائع لدعم الباطل والجريمة على حساب دماء الأبرياء ، ولا عذر لدولةٍ تملك القرار والعقل أن تضع يدها في يد جماعةٍ خارجة علي القانون والنظام أو مليشيا مجرمةٍ عاثت وتعيث في الأرض فسادًا .
ولن يكون في سجل التاريخ متسعا لتبرير من اختار الصمت أو الحياد أو السكوت أو الوقوف علي مسافة واحدة بين الشعب المعتدي عليه وبين العدوان الغاشم حين كان إنسان السودان يُحرق ويُغتصب ويُمحى من الوجود !
انه إجرام وفساد في الأرض لم يصدر مثيله الا من دولة الكيان الإسرائيلي المجرم في غزة الجريحة .
ولكن السودان ليس غزة .
( والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون ) .
( وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون ).
