منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*التعاونيات في السودان: شريان حياة في زمن الحرب* بقلم: م. محمد رضا أسامة عبد العزيز

0

 

*التعاونيات في السودان: شريان حياة في زمن الحرب*

 

بقلم: م. محمد رضا أسامة عبد العزيز

محمد رضا أسامة

28/11/2025
في بلد مزّقته الحرب ودفعت أكثر من 8.6 مليون سوداني إلى النزوح، بينما يتجاوز التضخم حاجز 256%، تتصدّر التعاونيات المشهد كإحدى أهم الأدوات التي تحتفظ بقدرتها على حماية المجتمع واستعادة شيء من توازنه الاقتصادي والمعيشي.

*التعاونيات… اقتصاد تشاركي في مواجهة الانهيار*

لا تُعد التعاونيات مجرد تجمعات شعبية، بل منظومة اقتصادية تعتمد على الملكية المشتركة والإدارة الديمقراطية.
ويقول الخبير الاقتصادي د. عادل عبدالعزيز الفكي:
*“التعاونيات نموذج عملي لاقتصاد جماعي يلبّي احتياجات الناس حين تعجز الأسواق عن أداء دورها”.*

ويكتسب هذا النموذج أهمية مضاعفة اليوم، مع تقلّص دور الدولة وتعطل سلاسل الإمداد في مختلف أنحاء السودان.

*أرقام توضح حجم التأثير*

*تشير البيانات المتاحة إلى قدرة التعاونيات على تحقيق مردود اقتصادي مباشر، أبرزها:*
– توفير ما يصل إلى 40% من احتياجات الأسر
– تخفيض أسعار السلع بنسبة 15–25% عبر الشراء الجماعي
– توفير 15–20 فرصة عمل لكل تعاونية قائمة

هذه النتائج تجعل التعاونيات أحد أكثر النماذج فاعلية في بيئة شديدة الهشاشة.

*نموذج من الخرطوم: “يداً بيد”*
من جنوب الخرطوم، تبرز تجربة تعاونية “يداً بيد” بوصفها إحدى المبادرات التي نجحت في تعزيز الأمن الغذائي وسط الفوضى.
وتقول إحدى عضواتها، فاطمة أحمد:
*“استطعنا عبر اشتراك شهري بسيط تأمين احتياجات أسرنا لثلاثة أشهر، وخفّضنا مصروفات المنزل بنحو 30%”.*
هذا النموذج يعكس كيف يمكن للتنظيم المجتمعي أن يتحول إلى أداة حماية اقتصادية فعالة.

*التعاونيات الاستهلاكية… كسر حلقة الوسطاء*

في أسواق مثل السجانة، أصبحت التعاونيات الاستهلاكية خياراً حقيقياً للمواطنين الباحثين عن أسعار مستقرة.
*ويشرح محمد حسن، مدير تعاونية “الأمل”:*
* “نشتري السلع بكميات كبيرة ونتجاوز الوسطاء، وهذا يتيح لنا البيع بأقل بنحو 20% من سعر السوق”.*

تقدّم هذه التعاونيات حلاً عمليًا في وقت تتسع فيه فجوة الأسعار بشكل يومي.

*التعاونيات الائتمانية… ملاذ لمن فقدوا الدخل*

مع تراجع النظام المصرفي أثناء الحرب، تحولت التعاونيات الائتمانية إلى ما يشبه “البنك الشعبي”.
فقد بلغت مدخراتها 200 مليار جنيه سوداني، وأسهمت في تمويل نحو 45 ألف مشروع صغير.

ويقول خبير التمويل الأصغر عمر بابكر:
* “هذه التعاونيات أصبحت شريان حياة لعشرات الآلاف ممن فقدوا مصادر دخلهم”.*

*إرث تعاوني يعود إلى 1937*

بدأت التجربة التعاونية في السودان عام 1937 مع تأسيس أول جمعية في أم درمان.
وتشير السجلات إلى وجود أكثر من 8,500 تعاونية اليوم، من بينها تعاونيات الصمغ العربي التي تحقق نمواً سنوياً يصل إلى 15%.

هذا الامتداد التاريخي يمنح القطاع قاعدة راسخة يمكن الانطلاق منها نحو تطوير مؤسسي حديث.

*تحديات قائمة… وطموحات أكبر*

رغم انتشارها الواسع، تواجه التعاونيات تحديات مبنية على صعوبات الحرب، من أهمها:
– نقص السيولة لدى 65% من التعاونيات
– حاجة 40% منها إلى دعم فني وإداري
– ضعف البنية الرقمية واللوجستية
– محدودية التنسيق والحوكمة

*وهي تحديات قابلة للمعالجة إذا توافرت الإرادة والدعم المؤسسي.*

*رؤية مستقبلية للنهوض بالقطاع*

يدعو الخبراء إلى حزمة إصلاحات يمكن أن تعزز دور التعاونيات في إعادة الإعمار، من بينها:
– إنشاء صندوق وطني لتمويل التعاونيات
– تطوير نظام ضمانات مرن ومتاح
– تأسيس معهد للتدريب والتطوير التعاوني
– اعتماد حلول رقمية للشراء الجماعي والدفع الإلكتروني

*هذه الخطوات تمثل أساسًا لبناء قطاع تعاوني قادر على دعم الاقتصاد في مرحلة ما بعد الحرب.*

*خاتمة*

في لحظة تتصدع فيها المؤسسات وتتراجع الخدمات، تواصل التعاونيات لعب دور محوري بوصفها منصة مجتمعية للصمود.
إنها ليست مجرد آلية اقتصادية، بل قوة اجتماعية تعتمد على التضامن وتعيد تشكيل العلاقة بين المجتمع واقتصاده.

وفي بلد يواجه أقسى اختبار في تاريخه الحديث، تثبت التعاونيات أن العمل الجماعي قد يكون الطريق الأكثر واقعيةً… والأكثر أملًا.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.