منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*الجنجويد والقحاطة تشابه السلوك وتلاقي المسار …* السفير/ رشاد فراج الطيب

0

*الجنجويد والقحاطة تشابه السلوك وتلاقي المسار …*

 

السفير/ رشاد فراج الطيب

 

 

لطالما قيل إنّ الطيور على أشكالها تقع ، أو وافق شن طبقة !
ولدينا آخر سوداني يقول شبهينا واتلاقينا.

ولعلّ هذه الأمثال تجد صداها في تشابه الممارسات بين مكوّنين سودانيين برزا في المشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة ، الجنجويد من جهة، ومجموعات قحت التي ارتدت شعارات اليسار الراديكالي المتطرف واستولت وركبت على قيادة احتجاجات ديسمبر التي بدأت في أصلها حركة شبابية مطلبية ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية في أواخر عهد الإنقاذ ، وهي أوضاع لعبت أحزاب قحت نفسها دوراً محورياً في مفاقمتها عبر التحريض على العقوبات والحصار الاقتصادي والاعتراف بذلك ثم التفاخر به !

منذ لحظة صعودها إلى قيادة المشهد عبر سيطرتها على ماسمي بتجمع المهنيين وغرف التصعيد ، بدأت تلك المجموعات في انتهاج سلوك يقوم على العنف والفوضى ؛ من تتريس الطرق وتعطيل حركة حياة المواطنين ، إلى منعهم من العمل والدراسة وتعويق الخدمات ، وصولاً إلى عرقلة كل شييء عن الحركة حتي سيارات الإسعاف بما تسبب في إزهاق أرواح كثيرة بريئة دون احساس بالحرج او الندم .

ترافق ذلك مع نهج تخريبي طال الطرقات والبنى التحتية والمنشآت العامة ، بل وحتى بعض مرفق ومكتبات الجامعات كجامعة الخرطوم ولم تسلم من ذلك حتي المساجد التي عطلوا كثيرا منها ودنسوها ومنعوا المصلين باعتبارهم -كيزان- ! من رفع الأذان وإقامة الصلاة وأن يذكر فيها اسم الله وسعوا في خرابها
وعطلوا إذاعات القرآن وجمعيات التحفيظ !

ولم يكن العنف المادي وحده الحاضر ؛ فقد سادت نبرة عالية من التنمّر السياسي والاجتماعي ، رافقتها شعارات مستفزّة ومهينة للقوات النظامية والجيش والشرطة ،
ومنها الشعارات الأشهر : معليش معليش ماعندنا جيش .. وكنداكة جات بوليس جري .. ولا تعليم في وضع اليم .. وكل كوز ندوسو دوس !

الأمر الذي كان يهدف الي خلق حالة من الاستقطاب والاحتقان ويعمّق الشرخ بين الدولة ومكوّناتها وبين المجتمع وجيشه واجهزته الأمنية !

وعندما تسلّمت تلك القوى السلطة ، جاء أداء ما سُمِّي بـ « لجنة إزالة التمكين » مثالاً آخر لسلوك يفتقر إلى المهنية والعدالة ؛ إذ جرى مصادرة أموال وتأميم شركات وأصول دون احكام قضائية أو رقابة ولم يتم توريدها لخزينة الدولة ، وقد تم فصل الآلاف من وظائفهم دون وجه حق ظلما وعسفا ، وظهرت ممارسات ابتزاز طالت رجال أعمال ومصانع ومنظمات وأجانب ، إلى جانب حالات اعتقال وتعذيب خارج إطار القانون الذي تم تعطيله أصلا وتم منع الشرطة والمحاكم من فتح البلاغات والبت فيها !

وفي الوقت نفسه ، اتُّخذت قرارات اقتصادية قاسية رفعت الدعم وحرّرت الأسعار وربطت البلاد بالتوجيهات الفورية لصندوق النقد الدولي ، ففاقمت معاناة المواطنين ودفعت العملة الوطنية إلى الانهيار وحرمتهم من شبكات الدعم والأمان الاجتماعي وتركتهم فريسة لجشع التجار وغلاء الاسعار وهي التي دفعتهم الي الاحتجاج علي زيادة جنيه واحد علي رغيف الخبز !
فإذا هي تباع بمائة ضعف خلال أقل من عام .

والأدهى أنّ د. عبد الله حمدوك رئيس وزراء قحت آنذاك تنازل طوعاً عن رئاسة اللجنة الاقتصادية العليا لصالح زعيم الجنجويد لحميدتي الذي يفتقر لأدني فهم في أمور الاقتصاد ، سوي ما أظهره من قدرة علي الاستيلاء علي مناجم استخراج الذهب بالقوة ثم سرقته وتهريبه للخارج ، في خطوة مثّلت تناقضاً صارخاً مع الخطاب السياسي الذي كانت ترفعه قحت عن المدنية والمؤسسية !

وفي مستوى آخر ، انشغلت تلك القوى بمحاولات محو ما يمكن محوه من هوية المجتمع وقيمه وتشريعاته ، عبر السعي المتسارع لتغيير القوانين والمناهج الدراسية وفرض توجهات علمانية متطرفة وتشجيع مظاهر الانفلات والانحلال تحت شعار « الحرية والسلام والعدالة » .

وعند مقارنة هذا السلوك بما ارتكبته قوات الجنجويد من تمردٍ على الدولة وتجاوزات وجرائم قتل ونهب وتشريد وإذلال واغتصاب ، وتخريب ممنهج للمرافق العامة بعد نهبها وتجريفها ، فإنّ القارئ والمتابع يلحظ بسهولة أنّ الطرفين ، رغم اختلاف الخطاب ، يتشاركان النهج ذاته وهو العنف والقسوة واشاعة الفوضى ، وغياب المشروع الوطني ، واللامبالاة بحياة الناس ، والانخراط في أجندات خارجية ترى في السودان ساحة مفتوحة للمصالح والتدخلات .

ولهذا لم يكن غريباً أن يتلاقي المساران في لحظة من اللحظات كوجهين لعملة واحدة ، وأن يجمعهما التحالف مع القوى الأجنبية الراعية التي تمد كلاهما بالسلاح والمرتزقة والدعم السياسي واللوجستي .

فكلاهما يفتقر إلى رؤية وطنية للحكم والسياسة ، وكلاهما يجعل من محاربة الخصوم الإسلاميين واستهداف الجيش محوراً مركزياً لتحالفاته ومواقفه ، بما ينسجم مع أهداف قوى إقليمية ودولية لها حساباتها الخاصة .

إنّ تشابه السلوك وتلاقي المصالح بين هذين المكوّنين يفسّر حالة الفوضى التي عاشتها البلاد ، ويكشف حجم الخسائر التي لحقت بالدولة والمجتمع عندما تُترك الساحة لقوى بلا مشروع وطني ، تبحث عن الشرعية في البندقية والفوضي وفي التحالف مع الخارج الطامع وقد تسببوا بكل ذلك السلوك الهمجي في احداث اختراق كبير وضرر جسيم في جدار السلام الاجتماعي والأمن الوطني والقومي للسودان سيحتاج أعواما لرتقه واصلاحه .

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.