د. حيدر البدري.. يكتب في نقطة سطر جديد : *قتال الجنجويد واجب شرعي*
د. حيدر البدري.. يكتب في نقطة سطر جديد :
*قتال الجنجويد واجب شرعي*

…
في مواجهة هذا الكم من الانتهاكات الذي طال النفس والمال والعرض، ينتقل الحديث عن القتال من مجرد حق سياسي إلى مرتبة الواجب الشرعي الذي لا يجوز التخلف عنه. إن قتال الجنجويد القتلة واجب شرعي لا مجال فيه للتردد، وهو يندرج تحت أحكام “دفع الصائل” في الشريعة الإسلامية والقانون الجنائي السوداني.
تأصيل جهاد الدفع وحكم فرض العين
إن الجهاد في الإسلام يشمل قتال الكفار، والمرتدين، والبغاة، وكل من يهدد بيضة الأمة. وينقسم الجهاد إلى جهاد الطلب وجهاد الدفع. وفي الحالة السودانية، أصبح القتال جهاد دفع، وهو الدفاع عن بلاد المسلمين عندما يهجم عليها العدو. ولقد اتفق العلماء على أن جهاد الدفع، عندما يكون النفير عاماً (كما هو الحال بعدما دخل العدو البيوت وانتهك الأعراض)، يصبح فرض عين على كل قادر من المسلمين.
إن استباحة الأعراض ودخول البيوت ونهب الأرزاق، كما وثقت التقارير ، يزيل أي لبس في حكم القتال؛ فالمعتدون هم “صائلون” بجميع المقاييس الشرعية. هذا التأصيل الفقهي يجعل القتال ليس خياراً سياسياً قابلاً للتفاوض، بل فريضة إلهية لا تسقط إلا بهزيمة العدو وطردِه. وعندما يُعلن القتال واجبًا، تتحول قضية المقاومة من مجرد فعل عسكري إلى فعل ديني واجتماعي يربط الفرد بالجماعة في عقد وجودي حتمي.
في ظل هذه الحتمية، يظهر في المقابل خطاب يحاول تخفيف حدة الصراع، أو تجريده من قيمته العليا، بوصفه “صراعاً على هذه الدنيا الخسيسة الدنيئة”. يجب التفريق هنا بين الصراع على الحكم والسلطة، والذي يمكن أن يوصف بالدنياوية، وبين الدفاع عن الأعراض والحرمات. إن الفتاوى التي تساوي بين الطرفين في الإثم تتجاهل حجم الكارثة الإنسانية والانتهاكات الموثقة (قتل الأطفال والنساء والشيوخ أثناء الهروب). إن الهدف ليس من يحكم، بل إنقاذ ما تبقى من الدولة ومقومات الحياة الكريمة.
كما أن هذا الواجب لا يقتصر على حمل السلاح فحسب، بل يتسع ليشمل مجاهدة المنافقين والفساق باللسان والقلب واليد. وبناءً عليه، فإن المقال الأدبي التحريضي نفسه هو أداة لـ “الجهاد باللسان” ، يعمل على تشكيل قناعات الجمهور ، ورفع الروح المعنوية، وكشف زيف خطاب المعتدين ومن يتخاذلون عن دعم الأمة. إن اللغة البليغة المشحونة بالرمز والمجاز تتحول إلى قوة بيانية ووظيفية لا تقل أهمية عن السلاح في هذا السياق.
ولإضفاء شرعية على وحشيتهم، رفع المعتدون وحلفاؤهم شعارات الكراهية والتدليس مستغلين الأزمات التاريخية في البلاد. يجب تفكيك هذه الشعارات، لبيان أنها مجرد غطاء بلاغي لـ “السلب والشفشة” ومحاولة لتجريد المقاومة الوطنية من شرعيتها.
فمغالطة “الفلول”: تضليل تاريخي مقصود. فمصطلح “الفلول” الذي يُستخدم لتشويه صورة المقاومين، هو مصطلح مستعار من سياقات سياسية أخرى ، ويُقصد به لغةً : المهزومون أو المكسورون الذين تبقوا بعد الهزيمة. فاستخدامه في الخطاب المعارض اليوم، يهدف إلى الربط القسري بين كل من يقاوم ميليشيا الدعم السريع و”النظام السابق” (نظام البشير).
وظيفياً، يعمل هذا المجاز السياسي على عزل المقاومة وتجريدها من الدعم الشعبي، وإبطال شرعيتها الأخلاقية، عبر ربطها آلياً بشخصيات سياسية وهذا تدليس بيّن؛ فالمقاومة الحالية هي دفاع شعبي ووطني عن النفس والمال والعرض، ولا ينطبق عليها وصف “الفلول” بمعنى الهزيمة والانكسار. بل إن محاولة إلصاق تهمة الفساد والعمالة بكل من يقاوم، هو تكتيك إعلامي يهدف إلى تجميد الفكر السياسي وإيقافه عن رؤية الجرائم المرتكبة على الأرض.
ويستخدم المعتدون شعار قتال “دولة 56” (الدولة المركزية التي تأسست منذ الاستقلال) كذريعة لإضفاء طابع ثوري على الغزو. من المسلّم به أن “دولة 56” كانت تعاني من الفساد وتراكم الفشل والاستبداد والعنصرية ، وأن السودان بحاجة ماسة إلى تأسيس دولة جديدة على أسس عادلة، ونظام حكم مدني فيدرالي، وجيش قومي مهني بعيد عن السياسة والاقتصاد.
لكن التناقض الحاد يكمن في أن من يرفعون شعار تفكيك هذه الدولة الفاسدة، يستخدمون أشد أساليب الفساد والوحشية لتدميرها. فكيف يُمكن لنهب البيوت وانتهاك الأعراض والتشريد الجماعي أن يكون طريقاً لبناء “دولة جديدة تقوم على المواطنة بلا تمييز” ؟ هذا التناقض الجذري يثبت أن شعار “قتال دولة 56” هو مجرد غطاء إيديولوجي فارغ، يهدف إلى إخفاء الدافع الحقيقي: وهو السلب والشفشة والسيطرة بالقوة الغاشمة.
أما محاولات الحل السياسي من قبل بعض القوى، والتي يمكن وصفها ب “سواقة بالخلا” فيجب التعامل معها على أنها تضييع للوقت وعرقلة للحسم. وتأتي مبادرة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك ، التي دعا فيها إلى إنشاء “مناطق آمنة خالية من الأنشطة العسكرية” ونشر “بعثة سلام إقليمية ودولية” ، لتثير تساؤلات جدية حول جدوى الحلول غير القائمة على هزيمة الصائل.
إن الدعوة إلى نشر بعثة سلام في هذا التوقيت، بعد كل الجرائم الموثقة، يمكن تفسيرها على أنها محاولة لـ “حماية” القوات المعتدية المنهزمة وتجميد الصراع لصالحها، أو إخضاع البلاد لتدخل خارجي يطيل أمد النزاع. هذا الخطاب يُصوّر بأنه عميل، لأنه يعارض منطق الحسم العسكري الذي أصبح واجباً لدفع الصائل. إن أي حل ينبغي أن يكون امتداداً لثورة ديسمبر ويؤسس نظاماً ديمقراطياً ، لكن هذا لا يتحقق عبر المهادنة مع من دمروا مقومات الثورة نفسها، بل عبر القضاء على القوة الارتزاقية التي لا تعترف بوجود جيش قومي مهني. إن الدعوات التي تطالب بـ “وقف التصعيد الإعلامي” في وجه الصائل القاتل، هي دعوات تهدف إلى تخدير الوعي الوطني وتجاهل الواجب الأخلاقي في فضح الإجرام.
إن شأننا الآن، في هذا المنعطف التاريخي الحرج، هو استجماع القوة، ورفض كل أصوات التثبيط والتخذيل، والسير قُدماً في هذا الطريق الذي لا يُحتمل فيه إلا خياران اثنان: إما الظهور القاطع فوق أعناق الرجال، أو الشهادة الطاهرة على عتبات الوطن.
نقطة سطر جديد.
