زاوية خاصة نايلة علي محمد الخليفة *في ذكرى الاستقلال..جنجويد بلا كدمولات*
زاوية خاصة
نايلة علي محمد الخليفة
*في ذكرى الاستقلال..جنجويد بلا كدمولات*

في ذكرى الاستقلال من داخل قبة البرلمان ، الذي يفترض أن يكون يومًا لسيادة الدولة وكرامة شعبها ، الذي يخوض حرب الكرامة ضد مليشيا لا تعرف غير الوحشية سلوكًا، خرج نفرٌ من ازقة ام درمان ، لا ليحيوا ذكرى الاستقلال ولا استذكار معنى الوطن ، ولا لمؤازرة ضحايا المليشيا ، بل خرجوا ليشوّهوا التاريخ ويصادروا الرمزية ، أولئك في أصلهم لصوص ، نعم لصوص ، سرقوا المعنى قبل أن يسرقوا المواقف ، وتاجروا بالشعارات بينما كانت البلاد تُنهب والدم يُسفك.
يوم التاسع عشر من ديسمبر في كل عام ، يوم تاريخي محفور في الذاكرة الوطنية للشعب ، لكنه ليس مناسبة للاحتفاء بثورة نحس جرّت على السودان الموت والخراب ، الاحتفال بذكرى بائسة في هذا التوقيت ليس سهوًا ولا خطأ تقدير ، بل فعل مقصود لتزييف الوعي ، ومحاولة يائسة لإعادة تدوير خطاب الفشل ، الذي دفع ثمنه المواطن البسيط أمنًا واستقرارًا وحياة.
أما العشرات الذين خرجوا في حواري أم درمان ، فليسوا ثوارًا كما يدّعون ، وإنما هم جنجويد بلا كدمولات ، الثائر الحقيقي لا يختبئ خلف الهتافات ولا يخرج حين تتحرر المدن وتأمن الطرق وتخف المخاطر ، الثائر هو من يتقدم الصفوف ، من يواجه ، من يقاتل المليشيا التي سرقت ونهبت واغتصبت ، من يتجه إلى معسكرات الجيش ويضع نفسه تحت إمرته دفاعًا عن الدولة لا عن الوهم ، ما رأيناهم بالأمس ليسو ثوارًا بل خلايا نائمة للمليشيا وجناحها السياسي ، وجوه مدنية لذات المشروع الذي دمّر الخرطوم وأذل أهلها.
السؤال البسيط الذي يفضحهم ، أين كان هؤلاء حين كانت الخرطوم وأم درمان تئن تحت سطوة الجنجويد؟ ، أين هؤلاء ومازالت مدن كردفان ودارفور تصرخ وهي تستغيث ، أين كانت هتافاتهم حين اقتُحمت البيوت ، وانتهكت الأعراض ، وشُرّد الناس؟ ، لماذا لم يخرجوا حينها إلى الشوارع؟ ، لماذا صمتوا يوم كان الصمت خيانة ، وظهروا اليوم والظهور نفسه استفزاز .
إن توصيف هؤلاء يالجنجويد ليس توصيف سياسي ، بل حقيقة متكاملة الاركان والزوايا ، ما حدث يستوجب تطبيق القانون بلا تردد ، والتعامل معهم بوصفهم جزءًا من الخطر لا من الحل ، الدولة لا تُبنى بالشعارات ، ولا تُستعاد بالاستعراض ، بل بالحسم ، وبالاصطفاف الواضح مع جيش واحد ، وقرار واحد ، ووطن لا يقبل المساومة…لنا عودة
