منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي *الشراكة الروسية – الأفريقية ودبلوماسية الكفاءات*

0

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

 

*الشراكة الروسية – الأفريقية ودبلوماسية الكفاءات*

 

شهدت العاصمة المصرية القاهرة انعقاد المؤتمر الوزاري الثاني للشراكة الروسية – الأفريقية، بمشاركة السودان بوفد رفيع بقيادة وزيرة شؤون مجلس الوزراء د. لمياء عبد الغفار. وجاءت هذه المشاركة محطة مهمة لتحول في طريقة إدارة السودان لحضوره الدولي، بعد ما يقارب ثلاثة أعوام من حرب أعادت تعريف موقع الدولة وحدود تحركها الخارجي.

استمدّت المشاركة وزنها من طبيعة المنصّة الدولية ومن مستوى التمثيل، إذ حضرت الوزيرة بخبرة دولية ناضجة، انعكست خلال المؤتمر فاعليةً سياسية ودبلوماسية، مقرونة بوعيٍ دقيق بتعقيدات النظام الدولي. واستند هذا الحضور إلى تجربة عملية متراكمة في المنظمات الإقليمية والدولية، ما منح حضور الوفد السوداني مضمونًا يتجاوز حدود الحضور والمشاركة إلى ممارسة دبلوماسية فاعلة وقادرة على التأثير.

في كلمة الوزيرة أمام المؤتمر، أعادت السودان إلى موقعه الطبيعي كدولة معنية بإصلاح النظام الدولي لا مجرد متأثرة باختلالاته. الربط الذكي بين ازدواجية المعايير الدولية، وتمدد النزاعات، وتدوير الارتزاق المسلح، شكّل إطارًا سياسيًا واعيًا يضع الحرب السودانية في سياق دولي أوسع، ويفكك محاولات اختزالها في سرديات مضللة. لذلك طالب السودان باتساق أخلاقي وقانوني في المواقف الإقليمية والدولية.

اللافت أن توصيف تمرد مليشيا الدعم السريع جاء واضحًا وحاسمًا، بعيدًا عن اللغة الرمادية، مع مطالبة صريحة بتصنيفها جماعة إرهابية ومساءلة داعميها إقليميًا ودوليًا. هذه الجرأة في الطرح جاءت ، تعبيرًا عن فهم دقيق لحدود الممكن داخل المنابر متعددة الأطراف، حيث يُقاس التأثير بدقة الصياغة وحسن التوقيت، لا بارتفاع النبرة الهاتفية.

نجح الوفد السوداني، خلال أعمال المؤتمر، في إيصال سردية الدولة إلى أكثر من خمسين دولة مشاركة، عبر نقل الحرب من خطاب الشكوى إلى خطاب المساءلة السياسية و القانونية الملزمة، ومن موقع الدفاع إلى موقع الفعل القانوني والأخلاقي. هذا التحول يعكس نضجًا في إدارة المعركة الدبلوماسية، ويعيد تقديم السودان بوصفه طرفًا مسؤولًا و شريكاً موثوقا يسعى إلى إعادة ضبط موقعه داخل نظام دولي متعدد الأقطاب والتوازنات.

أفريقيًا استطاعت الوزيرة فتح مسارات حوار مباشر مع وزراء خارجية الجزائر وأنغولا وغينيا الاستوائية، بجانب أعضاء مجلس السلم والأمن الأفريقي، في خطوة محسوبة تم التأكيد خلالها على أهمية إعادة إدراج ملف رفع تجميد عضوية السودان ضمن مساره الطبيعي، بعيدًا عن المقاربات الاستثنائية أو الضغوط السياسية والمواقف الرمادية للمنظمة.

أما اللقاء مع وزير الخارجية المصري د. بدر عبد العاطي ، فقد عكس بعدًا إقليميًا بالغ الأهمية، حيث قُدم الدعم المصري لوحدة السودان ضمن لغة المصالح المشتركة والمصير الإقليمي الواحد، مع الحفاظ على توازن دقيق بين التنسيق الاستراتيجي واحترام السيادة الوطنية.

في السياق يعكس الإعلان عن بعثة أفريقية مرتقبة إلى بورتسودان خلال الفترة المقبلة لتقييم أداء الحكومة المدنية والوقوف علي أعمالها اتجاه إيجابي، لأن نجاح هذا النهج القائم على استيفاء الشروط ، يؤكد ثقة السودان في خطواته الإدارية والسياسية كما يؤكد أيضا عودة السودان إلى البيت الأفريقي بوصفه دولة كاملة السيادة .

اللافت أن تصريحات الوزيرة لموقع المحقق حيث كشفت عن حراك سياسي ودبلوماسي أوسع قيد التشكل، من بينه احتمالات تفاوض مع دولة الإمارات، ما يبدو أن ذلك يدار بتحفظ بعيدًا عن أعين الإعلام، إضافة إلى حديثها عن نية رئيس الوزراء إطلاق مبادرة سلام من داخل مجلس الأمن الدولي، تلك التصريحات تكشف أن الوزيرة بجانب العمل التنفيذي تحيط بملفات إدارة الأزمة وتساهم في محاولات هندسة المشهد السياسي.

كما أشارت عبد الغفار إلى مبادرة دولية مرتقبة بتنسيق بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكل من السعودية ومصر، ضمن إطار يبني على الرباعية الدولية، بما يعكس عودة السودان إلى دائرة اهتمام دولي متوازن، قائم على تعددية المسارات وبحث فرص السلام لا الوصاية الأحادية.

في المقابل جاء توصيفها لاجتماع نيروبي لبعض القوى السياسية بأنه “محاولة بائسة” رسالة سياسية واضحة مفادها أن الشرعية لم تعد تُصنع في العواصم الخارجية، بل داخل المؤسسات الدولية المعترف بها.

إن أول مشاركة خارجية لوزيرة شؤون مجلس الوزراء كشفت عن تحول نوعي في نمط الدبلوماسية السودانية: من دبلوماسية رد الفعل إلى دبلوماسية الفعل المؤثر القائم على الكفاءات الوطنية. حضور جمع بين الصرامة المهنية والوضوح السياسي، وبين مخاطبة الداخل وطمأنة الخارج، بما يؤكد أن الكاريزما حين تُسند بالخبرة والكفاءة تتحول إلى نفوذ فعلي قادر علي التأثير وانتزاع الفرص التي تمكن من صناعة المستقبل .

ختامًا وبحسب #وجه_الحقيقة، فإن مشاركة السودان في المؤتمر الوزاري الثاني للشراكة الروسية – الأفريقية لم تكن نجاحًا فحسب، بل محطة لإعادة تقديم الدولة السودانية كفاعل منتبه، قادر على صياغة خطابه، وبناء تحالفاته، والدفاع عن سيادته في عالم يعاد تشكيله بهدوء. لقد بدأ السودان في هذه المحطة كمن يستعيد صوته، بلغة تعرف متى تتكلم، ومتى تصمت، ومتى تضع النقاط فوق الحروف.

دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 23 ديسمبر 2025م Shglawi55@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.