طارق شريف يكتب: جنون الدولار (١-٣)
على مسؤوليتي
ماهي الأسباب الحقيقية للانخفاض الكبير للجنيه السوداني وقد وصل سعر الدولار اليوم في السوق الموازي إلي 940 جنيه .مايذكره بعض النشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي من اسباب مضحكة عن تحويلات تتم عبر تطبيق بنكك ليس هو السبب ! وما يقوم به بعض الكتاب ، بشتيمة بنك السودان المركزي ليس هو الحل. سوف أذكر في هذا المقال الأسباب الحقيقية لانخفاض الجنيه ، والمقال نتاج بحث وتقصي عميق وليس خواطر كتابية .قبل الأجابة على السؤال لابد من تقديم قراءة لما فعله البنك المركزي لإعادة الاستقرار إلى سوق النقد الأجنبي في العام 2022 حتي اندلاع الحرب.اتخذ البنك المركزي إجراءين فقط لكبح جماح التضخم الذي وصل الي ثلاث خانات أولهما تحرير سعر الصرف بالكامل والخروج نهائيًا من سوق النقد الاجنبي وترك تحديد أسعار الصرف اليومية للبنوك التجارية دون تدخل من جانبه مع التنازل عن كافة موارد النقد الاجنبي لها لمقابلة طلبات الاستيراد مع الإستعداد لتوفير النقد الاجنبي للبنوك متي ما لجأت إليه لتغطية العجز، ولقد ساعد تدفق حصائل الصادر في تلك المرحلة في توفير موارد مقدرة لمقابلة استيراد السلع الأساسية، أما السلع الإستراتيجية فقد ترك أمر استيرادها لمحفظة السلع الإستراتيجية التي كان رائدها بنك البركة السوداني، والتي عملت على توفير النقد الأجنبي من خلال صادر الذهب الذي أعفيت من توريد حصائله للبنوك.هذا الوضع قلل الطلب علي النقد الأجنبي من السوق الموازي بشكل ملحوظ حتي بلغ الفارق ما بين أسعار البنوك والسوق أقل من ١٪.أما الآن فقد اختلت هذه المعادلة تماماً بتوقف الصادر لأسباب بعضها أمني وبعضها يرتبط بارتفاع تكلفة الترحيل والتخزين والتامين، أما المحفظة فقد واجهتها مشاكل عدة نتجت بشكلٍ رئيسي من استدانة وزارة المالية لبعض أموالها دون القدرة علي سدادها وسحب شركة الجنيد لمساهمتها بالكامل.الإجراء الآخر كان توقف البنك المركزي عن تسليف وزارة المالية لمقابلة الصرف الجاري الا في حدود ضيقة جداً حفاظاً علي معدل التضخم، وهذا أيضًا واجهته مشاكل إبتداءً من أبريل الماضي حيث فقدت المالية أكثر من ٩٠٪ من ايراداتها والتي كانت تأتي من ولاية الخرطوم مما دفع البنك المركزي للتدخل بتوفير مرتبات القوات النظامية بحكم الأمر الواقع في ظل الحرب.السبب الرئيس لانخفاض قيمة الجنيه الان و الضربة القاصمة فقد أتت من قطاع البترول حيث أوقف التمرد العمل بمصفاة الخرطوم والتي كانت تحقق توازناً في سوق المحروقات من خلال الضخ المستمر للسوق المحلي وبالتالي تحجيم قدرة الشركات المستوردة علي رفع الأسعار. توقف المصفاة وتوقف محفظة السلع الاستراتيجية التي كانت تستورد المحروقات أدي إلي اتجاه الشركات للسوق الموازي للحصول علي موارد النقد الاجنبي لتمويل الاستيراد بما شكل ضغطاً كبيراً علي سعر الصرف.هذه هي المعضلة الكبيرة خاصةً وأن استيراد السلع الاستراتيجية التي تشمل المحروقات والقمح والدقيق والأدوية تكلف مبالغ طائلة، وأي تدخل من جانب البنك المركزي لتوفير دولار (مدعوم) سيتسبب في ارتفاع معدل التضخم .الحل في ايقاف الشركات الخاصة من استيراد الوقود ويتردد أن احدى شركات استيراد الوقود تتبع للدعم السريع وهي تشترى الدولار من السوق الموازي باسعار عالية وساهمت في ارتفاع وجنون الدولار .ولهذا لابد من قرار عاجل من المجلس السيادي بايقاف استيراد الشركات الخاصة للوقود وعودة محفظة السلع الإستراتيجية وسداد ديونها من وزارة المالية حتى تقف على رجليها ….. أواصل إن شاء الله