منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

📍السفير عبد الله الأزرق يكتب:📍المعقول واللاّ معقول في العلاقات الدبلوماسية (7)

0

بمثلما يمثل الدبلوماسي حكومته وسياستها، يمثل هوية أمّته وثقافتها، وهكذا فينبغي أن تعكس حركاته وسكناته تلك الهوية وتلك الثقافة.
وهكذا، فما لم تحدد الجهة المنظمة لمنشط الدبلوماسي قواعد اللبس Dress Code، يُفضل أن يرتدي اللباس القومي National Dress، فهو مجلبة للفت الانتباه لبلده؛ خاصة أن الزِي ليس مجرد موضة أو مظهر أجوف، بل هو تعبير عن ثقافة وهوية.

وقد جرّبتُ ذلك ووجدت جدواه مراراً.
وفي مراسم زواج الأمير وليم (ابن الملك تشارلز حالياً وحفيد اليزابيث الثانية التي كان العرب يسمونها ألِيصَابات)، كنت أرتدي الزي القومي كاملاً، فأخذت محطات التلفزيون تكرر عرض صورتي بذلك الزي.. أقيمت المراسم في كنيسة وستمنستر العريقة، التي بنيت عام 1050م وأصبحت موقع إقامة المراسم الملكية مثل تنصيب الملك أو زواج أحد أفراد الأسرة المالكة. وبعد انتهاء المراسم كان الطريق مزدحماً جداً وأخذت السيارات تسير ببطء شديد؛ فاقتربت سيدة إنجليزية وابنتها من سيارتي، جذبهما الزي، وقالت السيدة لابنتها بانفعال:
” this is the king of Africa.. this is the king of Africa”
“هذا ملك إفريقيا”، ترددها.
واقتربت أكثر وسألتني: أنت ملك إفريقيا، أليس كذلك؟
فأجبتها أنني سفير السودان..
ورغم ذلك قالت لبنتها: see, I told you!!!
وقبل طغيان الحضارة الغربية في تمظهراتها الأخيرة، كانت الأمم تتمايز بأزيائها المُعبّرة عن ثقافاتها وهوياتها.
وحتى بداية القرن الماضي كانت النساء في لندن محجبات.. وكذلك كانت النساء في كوريا والصين واليابان. ولكنهن أصبحن الآن يقلدن ملابس الغربيات بعد أن تَعَرّين؛ تطبيقاً لقاعدة العلامة ابن خلدون والتي عنون بها الفصل الثالث والعشرين من مقدمته: «في أن المغلوبَ مولعٌ أبداً بتقليدِ الغالبِ في شعارهِ وزِيّهِ ونحلتهِ وسائرِ أحوالهِ وعوائدهِ ».
ولم يقف التقليد على الزِّي.

وفي الحقيقة فإن كارثة الإنسانية في هذا الصدد، بلغت ذروتها بالثورة الجنسية وجماعات الهيبيز والفوضويين Anarchists في ستينات القرن الماضي والتي كانت كاليفورنيا منطلقها ، ثم عمّت .

حين كنت بسفارتنا بنيروبي، كان من بين مهامّي ملف عملية شريان الحياة Operation Life-line Sudan (ترجمها هكذا الأستاذ المبدع عبد الدافع الخطيب، وشاعت هكذا).
سافرت إلى كبويتا في مهمة وكان برفقتي الملحق العسكري الداهية والمُجيد للإنجليزية الفريق (فيما بعد) محجوب شرفي، ومعنا مسؤول برنامج الغذاء العالمي في العملية الألماني هانوش. وفي كبويتا اندهش الخواجة لرؤية النساء عاريات الصدور، وأحد الأطفال الصغار ممسكاً بالعضو التناسلي لأبيه. وحتى سلطان قبيلة التبوسا كان يلبس جلابية فقط وكان يجلس على مقعد “خالفاً” رجليه، وعورته معروضة.
ترك الخواجة المهمة التي جاءت بنا وشُغِلَ بتصوير هؤلاء العراة.

قلت له: كأنك نسيت مهمتنا، ثم إنك لم تستأذن هؤلاء المساكين الذين تصورهم!!!
فقال لي: لا أقوى على مقاومة توثيق ثقافة مختلفة.
قلت له: لديكم كثير منهم في نوادي العراة وشواطئ العراة.
فقال: ولكن هؤلاء سود!!!

تحرص الدول الجادة على نشر ثقافتها، واستخدام عناصر تلك الثقافة في التعريف والتأثير، فتقيم المعارض للرسامين الكبار، والعروض الموسيقية والغنائية، وعرض أزيائها، وأطعمتها، وتصدر أفلامها وعروضها المسرحية، وما شاكل ذلك.
وثقافة أمّة وهويتها هي روحها.. وكل استهداف لها إزهاق لروحها.

ويأتي التاريخ في منزلة غاية في الأهمية.
وقد عرف زعماء ومتعلمو الذين غُيِّبوا عن جذورهم وتاريخهم ، فداحة ما حاق بهم. لذا تجد زعماء إخواننا الأمريكان السود شديدو التحسر على ضياع ثقافاتهم وتاريخهم بعد كارثة الترحيل والاستعباد التي أصابتهم.
وفي هذا الصدد يقول أخونا الزعيم ماركوس قارڤي:
“A people without the knowledge of their past history, origin and culture is like a tree without roots”
“إن أمَةً فقدت المعرفة بماضي تاريخها وأصلها وثقافتها، كمثل شجرة فقدت جذورها”.

والذي يجب أن يُذكر ولا يجوز أن يُنكر، أن الاستعمار (في صورته القديمة أو الحديثة الجارية الآن) يخلق أزمة هوية Identity Crisis لثقافتنا.
عَمَدَ الاستعمار لتغيير أديان الأمم.. فقد كان يحمل القسس في نفس سفن جنود الاستعمار، ويفرض المسيحية في المدارس التبشيرية التي يُقرب معتنقيها في البعثات للخارج وفي التوظيف.

وليس ثمة مصيبة تصيب أمة مثل تغيير دينها؛ ذلك لأن الدين هو أُس الثقافة .

ولتغريب الشعوب عَمَدَ الاستعمار لتغيير حروف لغاتها كما حدث للسواحيلية في كينيا وكل شرق أفريقيا.. وكانت ممالك غرب أفريقيا تكتب بالحروف العربية مثل السواحيلية فغيرها للحروف اللاتينية.. وجُعلت الفرنسية اللغة الرسمية.. وقام المعجبون بالغرب بتغيير حروف لغاتهم من العربية إلى اللاتينية في تركيا والدول التركية في أواسط آسيا.
وحتى المقيمون في بعض بلاد الغرب اليوم يعانون في تدريس الإسلام والعربية لأبنائهم.
وبعد ذلك كله يفتري الغربيون حين يدّعون الحرص على التنوع الثقافي Multi culture في بلادنا!!

وقد فرض الفرنسيون لغتهم وثقافتهم في بعض البلاد، حتى نشأ مجتمع مختلف في ثقافته عن التيار العام الغالب main stream.
ويتحدث التونسيون عن هذا المجتمع الذي يسمونه “تونس دو” (ودو تعني الثانية بالفرنسية).

وتحرص الدول على إتاحة المنح الدراسية كمنتج ثقافي وعلمي عبر جامعاتها، وقد نجحت جامعة أمدرمان الإسلامية وجامعة أفريقيا العالمية وجامعة القرآن الكريم في ذلك، حتى بزّت رصيفاتها في كل العالم، إذ أتاحت عشرات ألوف المنح عبر تاريخها.

أمًا ثالثة الأثافي التي شرع الغرب في فرضها على العالم فهي أن نتسامح مع:
السحاقيات، والسدوميين، وثنائي الجنس، والمتحولين جنسياً!!
وأدخلوا مؤخراً طائفة فساد جديدة سموها: “غريبو الأطوار Queer”، وهؤلاء مختلفون عن كل الفاسدين السابقين، لكن “ما مخبور شِن نفرم”!!
فأصبح اختصار المجموعة: +LGBTQ !!!يدسون ذلك للأطفال في المدارس، ووضعوها في أجندة موضوعات المنظمات الدولية، ويضيقون على الدول لتقبلها في ضروب النشاط الدولي كاستضافة الدورات الرياضية.
يصنفون من يرفض هذا الانحراف بوصفه : “Homophobic”، يعيّر بها!!!
لكنهم لازالوا يحدثوننا عن حرية الاختيار!!!
ولايزال جُهّال منّا، يتبعون هذا الضلال وهذا الفساد، قربةً لأوليائهم من رجال مخابرات ودبلوماسيين، الذين “مصرفوهم” فأضلوهم سبيل الوطنية، وثقافة أمتهم. وعوضاً عما لديهم من خير يقدّسون ثقافة تفضل الكلاب عليهم .
وتبرز الباكستان كنموذج مشرق لمقاومة حملات الانحراف الغربي عبر “المدارس” الإسلامية التي خرّجت 5 مليون حافظ.
كما تبرز موريتانيا التي قاومت الفرنسة عبر “المحاضر” حيث يحفظ كل الاطفال القرآن وألفية ابن مالك وأصول العربية.

📍السفير عبد الله الأزرق
—————————————
6 أكتوبر 2023

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.