بورتسودان… عاصمة الاستقرار والنزوح في السودان
تتجه أنظار السودانيين إلى مدينة بورتسودان في شرق البلاد التي باتت بمثابة “عاصمة بديلة” من الخرطوم بعدما تحولت الأخيرة إلى ما يشبه ثكنة عسكرية جراء استمرار الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ ستة أشهر.
في الخرطوم، حاضرة البلاد منذ أكثر من 200 عام، نزح معظم السكان البالغ عددهم نحو خمسة ملايين نسمة، ودمرت أحياء بالكامل وتعطلت الخدمات الأساسية والمركزية منذ اندلاع المعارك في 15 أبريل (نيسان) بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو.
وبحسب منظمة “أكليد” المتخصصة في جمع بيانات النزاعات وأحداثها، فإنه بحلول أكتوبر (تشرين الأول) سجل “سقوط أكثر من 9 آلاف قتيل” في البلاد منذ بدء الحرب، في حصيلة يرجح أن تكون أقل بكثير من عدد الضحايا الفعلي للنزاع.
كما اضطر نحو خمسة ملايين شخص إلى ترك منازلهم والنزوح داخل السودان أو اللجوء إلى دول الجوار.
وجهة سفر
ومع الوقت، باتت أنظار السودانيين تتجه إلى مدينة بورتسودان الساحلية في شرق البلاد، خصوصاً بعد أن انتقل إليها قادة الجيش وعلى رأسهم البرهان، حيث المطار الوحيد العامل في ظل تعطل مرافق الخرطوم.
غادر البرهان الخرطوم في أغسطس (آب) بعدما ظل في مقر القيادة العامة للجيش خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحرب في ظل انتشار قوات “الدعم السريع” في أنحاء العاصمة.
وقال مهندس التخطيط السوداني طارق أحمد لوكالة الصحافة الفرنسية “تحدث البعض عن عاصمة بديلة حتى قبل اندلاع الحرب بسبب بعض العيوب في العاصمة الحالية”.
وأضاف أحمد “أتت الحرب لتظهر مدى احتكار الخرطوم كل شيء، لذلك تعطلت البنوك والشركات ودورة العمل الحكومي”.
وقالت المحللة الاقتصادية أميمة خالد إن “أمد الحرب يطول، ولا بد من البحث عن مكان تدار منه شؤون المواطنين، الحياة لا تتوقف”.
وأشارت خالد إلى مدينة بورتسودان باعتبارها “المركز التجاري الثاني بعد الخرطوم بحكم موقعها وطبيعتها لذلك يمكن أن تكون عاصمة اقتصادية”.
وعزت اختيار المدينة المطلة على البحر الأحمر “لسببين الأول أنها بعيدة جغرافياً عن مناطق الحرب، والثاني أنها تشكل نافذة للتواصل مع العالم عبر مطارها أو الميناء البحري”.
بعد انتقال قادة الجيش إليها أصبحت بورتسودان، التي تبعد 1000 كيلومتر تقريباً شرق الخرطوم، مستقراً لوزراء حكومة البرهان وكذلك البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية.
بنيت المدينة الساحلية في عام 1905 إبان الاستعمار البريطاني كميناء بديل من ميناء سواكن التاريخي الذي يبعد 60 كيلومتراً غرب بورتسودان.
وقالت هند صالح من سكان المدينة إن بورتسودان “يمكن أن تكون العاصمة لولا مشكلتي نقص مياه الشرب وضعف خدمة الكهرباء”.
وتعتمد بورتسودان على الأمطار التي يتم تخزينها في منطقة تبعد نحو 10 كيلومترات شمال المدينة، ولكنها لا تكفي حاجة السكان من الماء، ويطالب هؤلاء منذ عقود بإيصال خط مياه إليهم من نهر النيل الذي تبعد أقرب نقطة له عن المدينة نحو 500 كيلومتر.
وفي ما يتعلق بالكهرباء تتغذى المدينة من سفينة تركية تربض قبالة سواحلها تستأجرها الحكومة السودانية، ولكن نظراً إلى عدم انتظام التغذية بالتيار الكهربائي يكثر استخدام المولدات للمنازل والشركات.
قد يكون بعد المسافة بين بورتسودان وبقية أنحاء البلاد عائقاً أمام اختيارها لتحل محل الخرطوم، إذ تبعد عن الحدود الغربية 3 آلاف كيلومتر، وعن الحدود الجنوبية نحو 2500 كيلومتر في بلد يفتقر إلى شبكة مواصلات سواء برية أو بواسطة السكك الحديد، فضلاً عن الطرق المتهالكة.
تجارة واستقرار
ولهذا السبب برز اسم ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة التي تبعد 186 كيلومتراً جنوب الخرطوم، خصوصاً مع نزوح العدد الأكبر من سكان العاصمة إليها هرباً من الحرب.
وقال والي ولاية الجزيرة إسماعيل عوض الله “استقبلنا نحو ثلاثة ملايين شخص، يقيم 1.5 مليون منهم في مراكز إيواء أعدتها الحكومة”.
وباتت ود مدني التي يغلب عليها الطابع الزراعي تشكو اختناقات مرورية منذ بدء نزوح سكان العاصمة إليها.
وقال أحمد إن “ود مدني صغيرة جداً وكل الخدمات تتركز في وسطها، وتعاني ضعفاً في البنية التحتية للطرق”.
على رغم ذلك، لاحظ فتحي خالد الذي يملك متجراً أن “أغلب التجار نقلوا نشاطهم إلى المدينة”، لكنه يعتقد أن الوضع الراهن لود مدني “لا يمكنها من الاستمرار في استيعاب النشاط التجاري”، مشيراً إلى تهالك البنية التحتية.
وأضاف “لا بد من إعادة تخطيط مراكز جديدة حولها خصوصاً أن جغرافيتها تسمح بذلك، بحيث تتوسع شرقاً”.