قلق في كييف بسبب “طوفان الأقصى”
بات القلق واضحاً في كييف من تركيز اهتمام الحلفاء الرئيسيين الآن على الحرب في غزة، كما تعثرت المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة وسط صراع الجمهوريين على القيادة في الكونغرس، إلى جانب ظهور تصدعات في الدعم الأوروبي خلال الانتخابات في بولندا وسلوفاكيا.
وتطرقت صحيفة “نيويورك تايمز” ومدير مكتبها في كييف ماثيو بيغ وأندرو كرامر، إلى الخوف السائد في أوكرانيا بسبب إمكانية تخفيف الحرب الإسرائيلية على حماس للدعم العالمي الذي تحظى به البلاد في مواجهة روسيا.
24 ساعة
قال وزير الخارجية الأوكراني الأسبق بافلو كليمكين: “نحن الآن في مرحلة جديدة”. وقال في مقابلة: “أصبحت البيئة الجيوسياسية برمتها أكثر تنوعاً وأكثر فوضى”. وأضاف كليمكين أن أوكرانيا ستحتاج إلى مواجهة الجهود الروسية لتحريض معارضي استمرار المساعدات العسكرية في أوروبا والولايات المتحدة، بينما يجري حلفاء كييف الديمقراطيون انتخابات.
داخلياً، تابع كليمكين، يبنغي على أوكرانيا تسريع إنتاج الأسلحة المحلية، للمساعدة في الاستعداد لحرب طويلة وانحراف الانتباه الدولي. ولفت إلى أن “أولئك الذين يشكلون القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية (في الولايات المتحدة) لديهم 24 ساعة فقط في اليوم للاهتمام بالكوكب بأكمله”. وقال إن حرباً أخرى تعني “وقتاً أقل بالنسبة إلينا”.
قال مدير وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف، في حديث إلى وسائل إعلام أوكرانية إنه إذا انتهى القتال في غزة بسرعة فلن يؤثر ذلك على المساعدات المقدمة إلى كييف. وأضاف: “لكن إذا طال الوضع فمن الواضح تماماً أنه ستكون هناك مشاكل معينة مع واقع أنه سيكون من الضروري توفير الأسلحة والذخائر ليس لأوكرانيا وحدها”.
وقال هينادي دروزينكو، مدير منظمة غير حكومية تقدم الرعاية الطبية للجيش، في منشور على فيس بوك، إنه كلما أسرعت القوات الإسرائيلية بإلحاق الهزيمة بحماس، تضاءلت فترة صرف العالم الحر اهتمامه عن أوكرانيا.
ماذا عن زيلينسكي؟
منذ اليوم الأول للغزو الروسي الواسع النطاق، أعطى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأولوية لحشد الدعم الدولي. لتحقيق هذه الغاية، أعلن أن دفاع أوكرانيا يشكل أهمية محورية لأمن أوروبا وأن نضال بلاده يشكل رمزاً للسعي إلى الحرية في جميع أنحاء العالم.
منذ نهاية الأسبوع الماضي، قدم زيلينسكي أوكرانيا على أنها صديقة لإسرائيل وأدان الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس والذي شبهه بالإرهاب الروسي في أوكرانيا. حجته هي أن موسكو لاعب خبيث في الشرق الأوسط، بعد أن تدخلت في سوريا، وأنها تستورد من إيران، الدولة الداعمة لحماس، المعدات العسكرية، ومن ضمنها طائرات بدون طيار.
وقال في مقابلة مع قناة فرانس 2 التلفزيونية: “إذا تحول الاهتمام الدولي عن أوكرانيا، فستكون له عواقب بطريقة أو بأخرى”. وأشار إلى أن “روسيا تحتاج إلى وقفة للحرب في أوكرانيا من أجل الاستعداد بشكل أفضل لغزو جديد وأكبر ومن ثم مهاجمة جيران أوكرانيا، وهم أعضاء في الناتو. أعتقد أن روسيا ستستغل هذا الوضع، هذه المأساة”.
من فقدان المبادرة إلى هجوم مضاد
سيعزز تقدم ملموس في ساحة المعركة الحجة التي يقدمها حلفاء أوكرانيا للناخبين، وهي أن دعمهم يثمر نتائج. وقال زيلينسكي في اجتماع لوزراء دفاع الأسبوع الماضي إن روسيا “فقدت المبادرة” في الحرب. ولكن منذ شهر يونيو (حزيران)، حين بدأت أوكرانيا هجوماً مضاداً يهدف إلى تقسيم جنوب أوكرانيا المحتل إلى منطقتين، لم يتقدم الجيش الأوكراني سوى نحو 10 أميال في موقعين.
كان قيام روسيا بزرع الألغام واستخدام طائرات بدون طيار لاستهداف المدفعية سبباً في إبطاء القوات الأوكرانية، وثمة احتمال ضئيل لتحقيق الهدف العسكري. سيطرت القوات الأوكرانية على قرية روبوتين الصغيرة في أواخر أغسطس (آب)، واخترقت قوات المشاة خط الدفاع الروسي الرئيسي، لكن الأوكرانيين لم يتمكنوا من التقدم أبعد بالمركبات المدرعة، أو من المناورة خلف الخطوط الروسية، أو من نقل المدفعية إلى مسافة تكفي لاستهداف طرق الإمداد الرئيسية والسكك الحديدية في الجنوب.
ويبدو أن القوات الروسية بدأت في الأيام الأخيرة هجوماً منسقاً في شرق أوكرانيا على مشارف بلدة أفدييفكا، الأمر الذي ولد شعوراً بالتأرجح في القتال، مع عدم تغير السيطرة على الأرض إلا قليلاً. قال مايكل كوفمان، الخبير في الشؤون العسكرية لروسيا وأوكرانيا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “يجب أن يكون التخطيط الآن جاهزاً لصراع طويل الأمد”.
أحداث سلبية
جاءت خيبات الأمل العسكرية عقب شهر سيئ بالفعل. بعد أن رفع الاتحاد الأوروبي القيود الموقتة المفروضة على واردات الحبوب الأوكرانية في سبتمبر (أيلول)، قالت بولندا (وهي حليف رئيسي لأوكرانيا في جوانب أخرى) إنها لن تلتزم بقرارات الاتحاد الأوروبي. ولم يؤدِّ اقتراح زيلينسكي خلال خطاب ألقاه في الأمم المتحدة بأن الحظر البولندي كان مجرد تملق ما قبل الانتخابات إلا إلى تأجيج التوترات.
في الوقت نفسه، تخيم أسئلة جديدة على المساعدات العسكرية الأمريكية المستقبلية لأوكرانيا، حيث لا يزال مجلس النواب بلا رئيس مع تزايد الشكوك حول المساعدات بين بعض الجمهوريين.
ليست كل الأنباء تشاؤمية
بالرغم مما سبق، لم تنفجر كل الأمور بعكس مصالح أوكرانيا. قال كليمكين، وزير الخارجية الأوكراني الأسبق، إن الحرب في غزة يمكن أن تعيد تركيز الاهتمام الغربي على التنمية الصناعية العسكرية التي من شأنها أن تفيد أوكرانيا أيضاً. أعادت أوكرانيا تشكيل المعركة البحرية على البحر الأسود في الأسابيع الأخيرة، حيث وجهت ضربة بمسيرة بحرية مصممة حديثاً وهزت قبضة البحرية الروسية على البحر الذي سيطرت عليه لعقود من الزمن.
في الأسبوع الماضي فقط، أعلنت أوكرانيا مسؤوليتها عن هجومين ناجحين بمسيّرة جديدة عبارة عن قارب سريع يتم التحكم به عبر الأقمار الاصطناعية ومعبأ بالمتفجرات. كما ضربت أوكرانيا بالصواريخ مقر أسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم المحتلة. وثمة أيضاً أسباب للاعتقاد بأن تحالفات أوكرانيا راسخة بما فيه الكفاية بحيث من غير المرجح أن تتعثر، حسب إيفو دالدر، سفير الولايات المتحدة الأسبق لدى الناتو ورئيس مجلس شيكاغو للشؤون العالمية.
وقال إن المساعدات العسكرية ستستمر في التدفق مشيراً إلى اقتراح في الكونغرس بأن يتم دمج المساعدات الطويلة المدى لأوكرانيا مع المساعدات لإسرائيل وتايوان. لقد أصبحت منتديات المساعدات الغربية، مثل مجموعة الاتصال الشهرية لوزراء الدفاع في رامشتاين التي تقدم الدعم لأوكرانيا، ذات طابع مؤسسي وسوف تستمر بغض النظر عن الأزمات الأخرى.
وقال دالدر في مقابلة: “لقد أصبح دعم أوكرانيا روتينياً”.