محفوظ عابدين يكتب : *الوافدون في أرض الحضارات… شندي من حرارة الاستقبال إلى تقديم رحيق التجربة.*
محفوظ عابدين يكتب :
*الوافدون في أرض الحضارات… شندي من حرارة الاستقبال إلى تقديم رحيق التجربة.*
فعلا لم تكن تلك الحرب التي شهدتها الخرطوم في منتصف ابريل الماضي وتأثر بها كل السودان ،لم تكن تلك الحرب كلها( شر) وان كان( ظاهرها)يشير إلى ذلك عند البعض ،ولكن( باطنها) بل واقعها كان كله خيرا.
فقد كشفت تلك (الحرب) كثيرا من الهمم والمواهب والمواقف التي كانت مختبئة سنينا تحت (ظلال السلم) فقد برزت بصورة كبيرة لم تكن في الحسبان ولم تخطر ببال أحد أن تكون بهذا المستوى من الدقة والجودة بل والروعة التي نالت قبول واستحسان الجميع.
كانت واحدة من افرازات هذه الحرب التي شهدتها الخرطوم ،هي حركة الهجرة الداخلية لعدد كبير من سكان الخرطوم إلى الولايات والمناطق المجاورة ، والتي تسميها المصطلحات الدولية والرسمية (نزوح) ولكن أهل السودان استبدلوها بكلمة (وفود) وكان أهل الخرطوم( وافدين)عند اهلهم وليس(نازحين).
وارض شندي الضاربة في أعماق التاريخ وأرض الحضارات التي يتجاوز تاريخها سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، كان لها نصيب الأسد في حركة الوافدين إليها لأنها تقع شمال الخرطوم مباشرة ،وكان ذلك المشهد الذي تناقلته الفضائيات والوكالات وهي تستقبل الوافدين بالضيافة وتقديم الخدمات الآنية والآجلة بصورة جعلت دموع كثير من الوافدين تبلل أرض حضارات تعبيرا عن شكر وأمتنان حيث لا توجد نسخة ثانية منه في العالم، الإ في السودان وفي شندي الذي ارتبط الكرم بها ولم ترتبط هي به.
قدمت شندي في حكومتها عملا كبيرا في التعامل مع الوافدين الذي تجاوز عدد المائتي ألف نسمة حسب الارقام التي ظهرت في الأيام الأولى.
كان المدير التنفيذي لمحلية شندي خالد عبد الغفار الشيخ وأركان حربه في إدارات المحلية بكافة تخصصاتها واصلوا العمل ليلا ونهارا من أجل راحة هؤلاء الوافدين،وتقديم الخدمات في مجالات الرعاية الصحية والتعليم ومياه الشرب.
المدير التنفيذي لمحلية شندي خالد عبد الغفار الشيخ أن الذي قامت به شندي ليس غريبا ولا مستغربا لأن هذه طبيعة سكان المنطقة ،واهل الخرطوم اختاروا في المقام الأول شندي لأمانها الذي أصبح علامة مميزة رغم جوارها لولاية الخرطوم محل الحرب ،وان القوات النظامية استطاعت تحافظ على الرقعة الأمنية على امتداد المحلية كاملة دون نقصان، بل ساهمت السلطات في استرداد المسروقات والمنهوبات التي دخلت من الخرطوم عبر كل منافذ المحلية ، والسلطات الأمنية استطاعت القبض على عصابات ومخدرات كانت عابر ة للمحلية،بل تناقصت البلاغات في أقسام الشرطة رغم كثرة الوافدين.
قدمت المحلية أكثر من مائتي مركز إيواء وجهزتها بالمطلوب لتكون أكثر راحة لهؤلاء الضيوف.
هويدا الجزولي مسؤول الرعاية الاجتماعية بشندي ،تكلمت بلغة الأرقام لعدد الوافدين ومراكز الايواء والمنظمات التي كانت حاضرة بين يدي مراكز الايواء التي تناقصت من مائتي إلى مائه وستين بعد فتح المدارس.
وكانت إدارة التعليم بقيادة الفاضل حسب النبي ود.محمد موس في شندي لها السبق في فتح المدارس على مستوى السودان وكانت رسالتها الاولى هي أن الحياة لا تتوقف بسبب الحرب وسنت هذه السنة لكل أهل السودان ولها أجرها واجرها من عمل بها، وقدمت إدارة التعليم أن مدارسها كانت ولايزال بعضها مراكز إيواء استوعبت أكثر من ١٦ألف طالبة وطالبة من أبناء الوافدين ١٢ ألف في الأساس المتوسط و٤ ألاف في الثانوي واستوعبت أكثر من ١٥٠ معلم وافد في المدارس العامة والخاصة
ولم تكن الإدارة الهندسية بعيدة من هذا العمل وكانت قاسما مشتركا في تجهيز مراكز الايواء مايلي المياه والكهرباء وبقية المرافق وكانت حضورا في تنظيم الأسواق والتخطيط لاستعياب الحركة التجارية التي توسعت بشكل كبير بعد انتقال بعضها من الخرطوم إلى شندي المهندس هشام ابراهيم مدير الإدارة الهندسية قال إن هنالك مخططا حضرية للمدينة قيد الدراسة والتخطيط.
لم تغب الصحة فكانت مؤسساتها الصحية ،حيث قدم مستشفى الملك النمر الجامعي ومستشفى شندي التعليمي خدماتهما لمرضى الكلى والسرطان والقلب الوافدين من كل مشافي الخرطوم ،وبقية الخدمات العلاجية وتعاونا في استقبال جرحى العمليات من القوات النظامية والمواطنين الذين تأثر (برايش) الاسلحة وحركة الدانات اوالذين استهدفتهم المليشيا.
وشكلت إدارة الإعلام بقيادة بكري الازرق حضورا ،حيث كانت مرآة لهذا الحراك الذي قادته المحلية. واستقبلت جموعا من إعلاميي الخرطوم من الفضائيات والإذاعات والصحف في دارها حيث كانت مركزا لنشاط إعلامي ومجتمعي وثقافي كبير دعمه بشراكات مع تلك المؤسسات الإعلامية في مجال التدريب وبشر بنقلات كبيرة في إنشاء مركز إعلامي متكامل وصحيفة الإلكترونية وعوده قوية لتلفزيون شندي في العام المقبل.
وفتحت الأندية ومراكز الشباب أبوابها لممارسة الوافدين نشاطاتهم في كل ضروب الرياضة تعزيزا للحراك الاجتماعي ،مزمل سيد أحمد مدير إدارة الشباب الرياضة ، أن إدارته استفادت من الوافدين وأدخلت رياضات جديدة لم تكن موجودة في المحلية.
كانت تجربة شندي في إيواء الوافدين وتقديم الخدمات تستحق التوثيق لأن شندي رغم صغرها عن مدن كبيرة مثل بورتسودان ومدني والقضارف إلا أن تجربتها يجب يسجلها ديوان الحكم الاتحادي كنموذج مثالي وعالمي لما قدمته شندي في المجالات المختلفة وهكذا كان التلاقي بين عمق التاريخ وثمار الحاضر ليضيف سطرا جديدا في كتاب شندي الحضاري.