د.ليلى الضو أبو شمال تكتب : سياحة في كتاب الأمة والدولة (١)
ذكر الكاتب رفيق حبيب في كتابه ( الأمة والدولة/ بيان تحرير الأمة) بأن المفهوم السائد الذي عرف المراحل البدائية من التاريخ البشري بأنها المراحل التي يسود فيها الشكل الجماعي وظهر في الفهم الغربي أن البناء الجماعي يمثل القبلية البدائية أو النمط الاقطاعي الاستبدادي مما يعني ضمنا أن تحقيق الديمقراطية بوصفها أرقى نظام في التصور الغربي يرتبط بتجاوز البناءات الجماعية وتفكيكها ، كما يرى التصور أن بناء الدولة الحديثة يقوم على انتظام الأفراد داخل صياغ القانون والتساوي بينهم من خلال عقد اجتماعي واتفاق سياسي يتمثل في الأنظمة الرسمية والقانونية التي تمثلها الدولة.
فالفكر الغربي ربط بين قيام الدولة وبين تفكك البناءات الجماعية الأولية والبدائية والاستبدادية فيصبح التقدم في هذا المفهوم رهنا لقيام الدولة الحديثة لتكون هي البناء الجامع للبشر فيتشكل منهم مجتمع تحدده دولة وتنظمه القوانين وبذلك فإن الإنتماء الحزبي يمثل في فكرة الحداثة والتقدم الغربي الشكل المتطور للإنتماء السياسي بل والاجتماعي والذي تقوم عليه الديمقراطية ويصبح الإنتماء الأول للدولة والقانون و من خلال هيمنة القانون تتحقق للأفراد الحرية الفردية كما تتاح لهم الحقوق المتساوية والتي يصبح تحققها رهنا بالدولة كمؤسسة والقانون كنظام.
ويرى الكاتب رفيق أن بذلك الفهم فإن التحدي الذي يواجه الأمة العربية والذي يتعلق أساسا بتحقيق نهضتها والوصول إلى المكانة التي تليق بها يرتبط بتغيير بناءها الإجتماعي ، ذلك ما يردده الكثير من الباحثين الغربيين وأيضا المثقفين العرب من دعاة المشروع الغربي وفي ذلك عزيزي السوداني فلتتأمل حالك وواقعك الذي تعيشه فلعلك تجد إجابات على أسئلة كثيرة أثارت فيك الحيرة والتعجب ، وكثير من الكتابات المنتمية للمشروع الغربي وكتابات المستشرقين تحلل نموذج الأمة العربية الإسلامية في عصر نهضتها من منظور يرى أن بناء الأمة لم يكن متقدما وغلب عليه البناءات الاجتماعية الجماعية والتي تمثل شكلا أوليا غير متطور، كما يرى هؤلاء أن البنية الجماعية العربية الإسلامية شكلت بناءات متفككة لا تمثل مجتمعا بالمعنى الغربي الحديث.
وهذه المقولات تصل حد الخطورة حيث أنهم بذلك يروا أن النظام الجماعي لا يحقق التقدم ولا الحداثة، ولا يتوافق مع قيام دولة قومية حديثة، والقول الثاني يتعلق بتصوير النظام الجماعي بوصفه نظاما استبداديا لا يحقق الحرية للأفراد ولا الحقوق المتساوية وبهذا يكون النظام الجماعي عائقا أمام تحقيق الديمقراطية التي يراها أهل الحداثة ووكلاء النموذج الغربي ارقى نظام بشري حتى الان.
وخطورة هذا الأمر أنها تربط تحقيق التقدم بضرورة تجاوز البناء الاجتماعي ووضع نظام يحدد حقوق الإنسان ضمن برنامج للحداثة والتقدم ، ولكن المطلوب تفكيك البناءات التي تعد أولية وبدائية وتتعارض مع الحداثة وهو ما يعني وجود جدول أعمال لتغيير بنية الأمة العربية الإسلامية كجزء من المشروع السياسي للحداثة الغربية.
وإن كان هذا الكتاب قد تم طباعته الأولى في عام 2001 م ، أي قد مر عليه أكثر من عشرين عاما إلا أنه يؤكد على قيمة الطرح الذي قدمه الكاتب في ما تناولناه من قليل من المحتوى الكلي للكتاب، والذي يشير لواقع الأمة العربية، حيث أنهم سعوا بها للوصول إلى ما يحقق لهم من تفتيت لهذا الكيان الإجتماعي القوي والذي تحكمه أنظمة مجتمعاتها القبلية وكياناتها العائلية المنغلقة ( بحسب وصفهم لها ) ، والتي تتميز بقوة الترابط والحفاظ على الموروث القيمي ، ولكنهم نجحوا في أن يذيبوا معظم هذه المجتمعات بوهم الحضارة والمدنية، بل وصلوا بهم للتمرد على قوانين وأعراف هذا المجتمع المتمسك المتماسك، فظهر أقرانهم في تلك المجتمعات ومن أبناء هذه الكيانات من يطالب المجتمع بضرورة منح الحريات والخروج عن المألوف والدعوة بإسم حقوق الإنسان التي أضاعت كثير من انسانيته بل بلغت به حياة القطيع.
ولنا مع ذلك الكتاب بقية سياحة