د.المعز إبراهيم الهادى يكتب : *المشطوفون ..*
د.المعز إبراهيم الهادى يكتب :
*المشطوفون ..*
في يوم من أيام عام 1986 وبعد الإعلان عن نتائج الإنتخابات العامة التي جرت في البلاد في فترة الديمقراطية الثالثة تأملت رسماً كرتونياً في واحدة من الصحف اليومية يظهر فيه رجلان ، واحد يشبه السيد الصادق المهدي والآخر يشبه السيد محمد عثمان المرغني .. مكتوب تحته “السيدان يتشاوران لتشكيل حكومة إئتلافية بعد الإعلان عن حصول حزبي الأمة والإتحادي الديمقراطي على أفضل النتائج في إنتخابات 2086” ..
نعم 2086 ..
بعد مائة عام من سنة تلك الإنتخابات ..
والسؤال هو ..
هل آل المهدي وآل المرغني هم قَدَرُ السودان ام هل السودان هو قَدَرُهُم؟
المتأمل في الدور الكبير الذي لعبته هاتين العائلتين في تاريخ البلاد ومسهماتهما (او عدمها) في حركة التحرر الوطني وخلال أنظمة الحكم المتعاقبة عسكرية كانت او مدنية لا بد له من وقفة ..
نعم وقفة ..
لكن في غير صالحهما ..
والمتأمل كذلك في الدور الذي يلعبه حالياً أعضاء من هاتين العائلتين داخل المنظمات المدنية والسياسة المختلفة وكذلك العسكرية ، وخلال السنوات القليلة الماضية ، وقبلها خلال فترة حكم (الإنقاذ) لا بد له من وقفة ..
وهي كتلك في غير صالحهما ..
فمن دروس التاريخ أن مراغنة ناطحوا المهدية حينما ظهرت ووقفوا ضدها وشككوا الناس فيها ، فقد أعلن (سر الختم) (وتاج السر) المرغني قبل مائة وأربعين عاماً أن المهدي لم يولد بعد ، ثم تبعهما آخرين من أصحاب (الأسَرار والأختام والتيجان) ..
ثم فكرت بريطانيا وقدّرت كيف تستثمر في هذا الموقف وتوظّفه لصالح مشروعيها الإستعماريين – القديم والجديد – في السودان .. فأوعزت إلى قادة الطائفتين بتقوية تشكيليهما الدينيين (الأنصار والختمية) لأنهما – حسب ما ترى – يحفظان للمجتمع إستقراره ويمنعان إنفلاته .. ثم طوّرت الفكرة – في مرحلة لاحقة – بإنشاء حزبين سياسيين تابعين للطائفتين يناط بهما إدارة الحكم وشؤون الدولة على نسق يشبه شكل ديمقراطية المستعمر لا مضمونها ..
أتاح هذا الترتيب للحزبين القدرة على (شفط) المتعلمين بغرض توظيفهم في إدارة الدولة (وشطف) النخبة والطليعة بغرض إستغلال مهاراتها في التخطيط لخدمة المشروع الإمبريالي في السودان ..
كانت الفكرة هي أن إنشاء مجموعتين دينيتين متعارضتين متنافستين متشاكستين هو الضامن لوأد روح الثورة الكامنة في الشخصية السودانية او – على الأقل – محاصرتها وكبتها وإشعال نار الفتنة فيها كلما دعت الحاجة ..
أحدث ظهور حسن الترابي بعمق فكرته واسترسال فهمه وقوة حُجته وسهولة منطقه ومعقولية شرحه وغزارة علمه وبساطة مظهره وسحر شخصيته وطغيان حضوره ونسبه الممتد لآل المهدي ، واحتفاء أتباعه به وولاءهم لفكرته وعدم تقديسهم له وقوة عسكره وبطش جنده ، زلزلةً داخل أوكار (الإمبراطورية) ..
ثم ، ومن بعد ثلاثين سنةً من الكيد المستمر والحصار الخانق وأنانية البشير المُفرِطة وبلادة من حوله واختراق أجهزة حكمه إنهار النظام الذي أسسه حسن الترابي حتى جثا بركبتيه على الأرض بشكل شبه كامل واستسلم وحَرن ..
وعلى إثر ذلك لملمت الإمبراطورية وبسرعة فائقة شعثها وتربصها ، ثم كبّت من غلوائها وصبّت كل قرفها وأخرجت النار التي في صدرها وهجمت هجمةً مجنونة وكأنها غير مصدقة ما وقع ..
ثم – وبإيعاز منها – هجم وكلاؤها الدوليون وحلفاؤها الإقليميون وربائبوها الطائفيون وأذيالهم (المشطوفة) مثل نار ذات وقود في هشيم داخل اُخدود .. نار لا تبقي ولا تذر ، تحرق كل شيء لتقضي على كل شيء .. إما أن ينتصروا هم او ينتهي كل شيء إلى خراب وتراب ودمار ، وألم وحسرة وندامة .. حرب في منتهى البشاعة والفظاعة والشراسة ضد كل من يُشتم فيه رائحة إسلام المعز .. فالإمبراطورية لا تقبل الاّ إسلام المستجير ..
هكذا عشنا نحن أهل السودان سنين حياتنا بعد تجربة (مهدِيِّنا) وظهور (سيِّدَينا) المهدي والمرغني ..
نحن في خدمة السيدين ..
والسيدان في خدمة الأسياد ..
ومن وراء الأسياد الحكاية الكبرى ..
فقصة حياتنا لم تبدأ بمريم المنكوبة ولا جعفر الصامت فهي أكبر مما نتخيل .. يعرفها المستعمر المتنمر – بكل وقاحته وعجرفته وخبثه وتواضعه المصطنع .. امّا خُدّامه فيبصمون عليها ..
فيا آل المهدي ويا آل المرغني ..
إستوفيتم الكيل ..
كيفما وَزَنّاكُم تُخسِرون ..
كفانا وكفاكم ..
كفوا أيديكم عنّا ..
والجموا السنتكم ..
وارفعوا أرجلكم من رقابنا ..
قطعتم أنفاسنا ..
ودمرتم بلادنا ..
وأصابنا منكم الرهق والهوان والمخمصة ..
ويا أهلنا ..
حرّروا أنفسكم من الذل والخُرافة ..
ولا تتخذوا من دون الله أربابا ..