ابراهيم عثمان يكتب : *دموع التماسيح*
ابراهيم عثمان يكتب :
*دموع التماسيح*
▪️ أثبتت الحرب الجارية أن أحزاب قحت تقوم بعمليات التضخيم والتهوين لضبط نوع غضبها ودرجته واتجاهه والمواقف التي تترتب عليه لخدمة مصلحتها السياسية، لا حسب الموضوع الذي يثير الغضب والحقائق المتعلقة به، فالدعم السريع لم يعد يلبي شروط اشتغال غضبها بعد أن اقترب منها كثيراً بتمرده، وباكتمال تسييسه، واكتمال تبعيته للخارج، وباستخدامه لها في تحقيق مطامعه، ولذلك لم تعد جرائمه، مهما كبرت، تلبي الشروط المثالية لاستدرار دموعها .
▪️ إذا أخذنا جرائم الاغتصاب بعد تمرد الدعم السريع كمثال، وقارناها بقصة ابنة عضو لجنة التمكين الطيب عثمان يوسف سنجد أن الجرائم، على كثرتها، لم تحرك غضبهم، وأن تعبيرهم عن الغضب بسببها، بل بسبب كل جرائم المتمردين، لا يساوي، ولا يقترب، مما عبروا عنه من غضب عندما قام الطيب عثمان بترويج خبر عن اختطاف ابنته، فقد نظموا حملة تضامن كبرى اتخذت طابعاً سياسياً، وبدون أي دليل أو قرينة اتهموا خصومهم وأوسعوهم شتماً ووعيداً بالعقاب والانتقام !
▪️وعندما ألقت السلطات القبض على الشاب الذي اتهمته الأسرة بالخطف، واستجوبته ماتت الحملة فوراً. ولم يكن هناك أي حديث عن الشاب، ولا عن أي انتماء سياسي له، ولا عما انتهى إليه الاستجواب، وهل كان هناك خطف واغتصاب أم لا، ولم تكن هناك مطالبات بمحاكمته، واختفت التعليقات من صفحات قادة وناشطي قحت !
▪️ مثلاً، عبر صلاح مناع عن غضبه الشديد، وقال عن رواية الاختطاف : ( تحول خطير في الصراع ضد المؤتمر الوطني والأمن الشعبي. ورسالتهم وصلت بأن قرار المواجهة والإستهداف الشخصي قد تم اتخاذه )، وقال : ( مديري الشرطة والمخابرات عليكم بالإستقالة لفشلكم في الكشف عن الجناة في حادث الإختطاف الذي تم “صباح أمس” )، لكنه بعد القبض والاستجواب لم يعد إلى التعليق !
▪️ وبعد تمرد الدعم السريع لم يتطرق صلاح مناع لجرائم الاغتصاب إلا مرة واحدة عندما كتب ( انها حربهم وهم من بشَّر وسوَّق لها باعلامهم الشرير، خاصة فديو عملية اغتصاب لا يقوم بتصويره الا مجنون او كوز ) ! وقد فضحه تعليقه، إذ خلا من الغضب، ومن الوعيد، وهذا يكشف عن قناعته بأنه يكذب، فلو كان يملك الحد الأدنى من إمكانية إدخال خصومه في اتهامات الاغتصاب، لما كان هذا هو تعليقه اليتيم، ولكان غضبه المصطنع كبيرا، ولكان في قلب حملة كبرى بشأن جرائم الاغتصاب .
▪️ الناطقة باسم تنسيقية قحت رشا عوض على كثرة مقالاتها بعد تمرد الدعم السريع لم تخصص مقالاً لجرائم الاغتصاب، بل ولا لأي جريمة من جرائم الدعم السريع، وكل مقالاتها ومنشوراتها بخصوص جرائمه كانت رداً على الاتهامات الموجهة إليهم بالتهرب من إدانته ! وكل الذي تفتقت عنه عبقريتها بخصوص جرائم الاغتصاب كان فكرة ساذجة لتحويل الغضب من الدعم السريع إلى الجبش : ( لم نسمع بامرأة واحدة اختطفها الجنجويد وهموا باغتصابها فاجهز عليهم جنود من الجيش واردوهم قتلى واعادوا المرأة معززة مكرمة إلى أهلها وانقذوها من الاغتصاب! ) !
▪️ أما “الجبهة المدنية لإنهاء الحرب واستعادة الديموقراطية” فقد كانت في أول بيان لها بخصوص جرائم الاغتصاب مشغولة عن التعبير عن الغضب بتزوير تصريحات وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، وإبلصاق الجزء الأكبر من جرائم الاغتصاب بالجيش، وبتوجيه الغضب ليذهب معظمه إليه !
▪️ ولما أثار التزوير موجة من الغضب اضطرت “الجبهة” إلى الاعتراف بأنها لم تنقل التصريحات كما هي، وزعمت أن “اللبس” الذي حدث “غير مقصود”، وكان هذا كذباً صريحاً لأنها في بيان التزوير ذكرت أنها ( اطلعت ) على التصريحات، الأمر الذي يثبت تعمد التزوير، إذ كيف لمطلعين على التصريحات أن يغيروها ويثبتوا حسن نيتهم !
▪️مع ذلك لم يتعلموا من هذا الغضب الذي أثاره تزويرهم واضطرهم إلى الاعتراف والاعتذار، ولم يفهموا أن ( العلني ) من مجاملاتهم للدعم السريع لا يمكن أن يصله ويؤدي غرضه في الحفاظ على تحالفهم معه دون أن يلاحظه عامة الناس، ودون أن يعطيهم فكرة تقريبية عن غير العلني . ولم يفهموا أن الناس سيلاحظون أن المجاملة بعد فشل إقحام الجيش اتخذت شكل الصمت التام وتجاهل جرائم الاغتصاب تماماً !
▪️ ولم يتعلموا من هذه ااواقعة أن ما يتجنبونه من غضب الدعم السريع بهذه المجاملات يكسبون أضعافه من غضب عامة الناس، ولم يتعلموا أنهم عندما يصنعون ( حقائقهم ) على مقاس الغضبات التي يرغبون فيها وفق مصالحهم يتثبتون أن غضبهم مصطنع ومزور تماماً كحقائقهم المصطنعة والمزورة .
إبراهيم عثمان