منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

محمد التجاني عمر قش يكتب: *ليس بعد النصر إلا البناء! ( 2 )*

0

محمد التجاني عمر قش يكتب:

*ليس بعد النصر إلا البناء! ( 2 )*

هذه الحلقات هي في واقع الأمر جزء من مقاربة نحاول من خلالها وضع الأصبع على الجرح في وضعنا الداخلي من كافة الجوانب، وتناول الحلول بموضوعية، وطرح بعض الأفكار والرؤى التي يعتقد أنها سوف تعزز موقف السودان في محيطه الإفريقي وتساعد على تحقيق الأمن القومي من خلال استدامة الاستقرار، وربط دول الجوار الإفريقي مع السودان بمصالح حيوية يصعب عليها أن تجازف بها أو تقف ضدها في جميع الأحوال، وفق أنظمة وقواعد محكمة، وبالتالي يمكن أن يتحول السودان إلى دولة مستقرة وناهضة، بحيث دولة محورية ذات تأثير إقليمي إيجابي يؤدي إلى استقرار الجوار الإفريقي وتحقيق إنجازات تنموية واقتصادية من شأنها تقوية علاقات الجوار وفتح مجالات للتعاون بين دول المنقطة بعيداً عن النشاط الاستخباراتي الهدام، وسياسة المحاور التي أضرت بأمن المنطقة وزعزعت أوضاعها كلها. وهذا الطرح لا يرتبط بنظام معين ولا بجماعة بعينها، بل هو طرح قومي شارك فيه أناس من مختلف المشارب والتخصصات بحيث يمكن أخذه في الاعتبار من قبل أية جهة وطنية مخلصة تضع مصلحة السودان العليا وأمنه القومي نصب عينيها.

وما الحرب الدائرة في السودان الآن إلا نتيجة حتمية لفشل النخب السياسية السودانية في معالجة القضايا الأساسية الداخلية والتأثير على مستوى محيطنا الإفريقي بشكل إيجابي. ومن هذا المنطلق، تهدف المقاربة إلى تحقيق استقرار شامل في السودان أولاً، بحيث يستفيد من موارده الطبيعية وكوادره البشرية وموقعه الجيوسياسي ليصبح دولة ناهضة ومنتجة، ولها القدرة على تلبية كثير من حاجات دول الجوار الإفريقي بطريقة هادفة ومدروسة استراتيجياً وتضمن عدم تحيز تلك الدول ضد السودان وتمتنع بالتالي عن محاولة زعزعة أمنه أو المساعدة على ذلك بأي طريقة كانت.

ومهما يكن فإن السودان لا يمكن أن يكون دولة مؤثرة إلا إذا استقرت أوضاعه الداخلية من جميع النواحي، وهذا يستوجب تحقيق متطلبات هي من الأهمية بمكان أولها كما أشارت الحلقة الأولى وجود جيش قومي قوي، والتخلص من جميع المليشيات التي تتبع لجهات ذات طبيعة جهوية أو قبلية أو حزبية أو ايدلوجية؛ حتى يكون في السودان جيش واحد قومي التوجه والتكوين، ولا يخضع قادته وجنوده إلا لقانون وأنظمة الجيش وضوابط السلوك والتحرك العسكري المعروفة لدى العسكريين بالضرورة.

وقد كشفت الحرب الدائرة في السودان بعض مواطن الخلل في قواتنا المسلحة حيث استطاعت دوائر الاستخبارات الأجنبية استمالت بعض ضعاف النفوس من منسوبي تلك القوات، الأمر الذي كان له أثر سالب على أمننا القومي وعلى سير العلميات العسكرية، مثلما حدث في مدني ومن بعدها منطقة الجزيرة، فعاثت المليشيا المتمردة فساداً وخراباً وتقتيلاً في الأبرياء. وتشير التقارير والأحاديث المتداولة عن الحرب إلى الوجود الاستخباراتي الكثيف في السودان وقد شمل ذلك حتى سائقي الركشات وبائعات الشاي والحلاقين، ناهيك عن وجود عناصر الاستخبارات الأجنبية التي كانت تعمل لصالح المشروع التدميري الكبير وهو السبب المباشر في هذه الحرب التي يراد لها أن تحدث تغييراً ديموغرافيا كاملاً في البلاد باستجلاب عرب الشتات ومرتزقة إفريقيا وتجنيدهم لصالح المليشيا، ومن ثم افراغ السودان من أهله والدفع بهم قسراً إلى المنافي خارج الحدود أو النزوح إلى مناطق لم يروها من قبل.

ومن المؤسف حقاً أن يكون بعض هؤلاء الأجانب، سواء في ذلك من أتى عبر المليشيا، أو دخل البلاد بأية طريقة كانت، قد حصل على الرقم الوطني وبالتالي صار مواطناً، لكن ليس بشكل نظامي، بل عبر ممارسات استخباراتية استطاعت حتى تزوير الرقم الوطني السوداني باختراق أنظمة الجهات التي تعنى بأمر الهجرة والتجنس والسجل المدني. ومن هنا يستلزم حماية حدودنا، ومراقبة الدخول عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية، وتوفير الأمن السيبراني اللازم بحيث لا يستطيع فرد أو جماعة العبث بأنظمة التجنس في بلادنا! بمعنى آخر، لابد من ضبط الوجود الأجنبي في الوطن وتقنينه بحيث لا يشكل خطراً على أمننا القومي.

ومن جانب آخر يجب أن نقر بأن كل ما حدث في السودان من تغيير هو نتاج طبيعي لما تعرضت له البلاد من نشاط استخباراتي وأمني جندت له قدرات مهولة من البشر والأموال والمعدات التي تشمل حتى طائرات الاستطلاع دون أن يعترض سبيلها أو يعلم بها أحد فوفرت كافة المعلومات المطلوبة عن الأماكن والأفراد والمؤسسات حتى تلك الحساسة منها مثل القصر الجمهوري والمرافق العسكرية والأمنية؛ ولذلك لابد من لفت الانتباه لمنظوماتنا الاستخباراتية والأمنية إذا كنا فعلاً نسعى لتحقيق هدفنا بجعل السودان دولة مستقرة ومؤثرة في محيطها الإفريقي على أقل تقدير.

ويضاف إلى ذلك أن من خططوا للتغيير في السودان استطاعوا تجنيد بعض أبنائنا ليكونوا رأس الرمح في تحريك الشارع ودغدغة مشاعر الجمهور وشحن أدمغتهم بشعارات لا تمت لواقعنا بصلة، بل استخدمت بكل خبث ودهاء لإخراج صغار السن من الشباب الذين مثلوا وقوداً للتغيير وترسوا الشوارع ومن بعد ذلك اختطفت ثورتهم من قبل فئة أعدت لهذا الغرض بواسطة دوائر الاستخبارات الدولية والإقليمية التي ظلت تؤثر على مجريات الأحداث حتى أوصلتنا إلى ما تشهده بلادنا من تدمير متعمد وخراب ممنهج. ولهذا السبب لابد من مراقبة أحوال شبابنا ومتابعتهم بدقة حتى نجنبهم خطر الوقوع في براثن الأعداء الذين تبرصون بوطننا بشتى السبل!

خلاصة القول إن الأمن الداخلي، واليقظة الاستخباراتية، لا تقل أهمية عن القدرات العسكرية من أجل تحقيق الأمن القومي والاستقرار السياسي والاجتماعي والتطوير والتنمية الاقتصادية، ومن هنا تنبع أهمية إعادة النظر في استراتيجيتنا الأمنية من كافة الجوانب التي تشمل تدريب كوادر مؤهلة، وتوفير معينات العمل الأمني، ومراقبة الوجود الأجنبي بدقة حتى لا نلدغ من جحر مرتين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.