د محمد بشير عبادي يكتب : الابتلاء
د محمد بشير عبادي يكتب :
الابتلاء
يعرف الابتلاء اصطلاحاََ، بأنه الاختبار والامتحان والبلاء يكون في الخير والشر، كما قال تعالى: “وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً”(الأنبياء:35)، فرق بعض العلماء بين البلاء والابتلاء، فقد ذكروا أن الإنسان عليه أن يرى حاله فإذا كان على معصية فيعرف انه بلاء، لأنه ما نزل إلا بذنب ولو كان على طاعة فهو إبتلاء، أي إختبار وعليه أن يصبر في كل الأحوال، فإذا كان على معصية فعليه أن يستغفر ويتوب إلى الله ويبتعد تماماََ عن المعصية ويكثر من الطاعات.
ترجع مادة (البلاء) إلى الجذر (بلوى) قال “ابن فارس” : الباء واللام والواو والياء، أصلان: أحدهما: إخلاق الشئ والثاني، نوع من الاختبار،يحمل عليه الإخبار أيضاََ.فمن الأول قولهم: بلى يبلى فهو بال. والبلى مصدره، يقال: بلي الثوب بلى وبلاء، أي: خلق. ويقال: ناقة بلو سفر، مثل نضو سفر، وبلى سفر، أي: قد أبلاها السفر. ومن الثاني قولهم: بلي الإنسان وابتلي، وهذا من الامتحان، وهو الاختبار وبلوته: اختبرته، كأني أخلقته من كثرة اختباري له. وبلوت فلانا: إذا اختبرته، وسمي الغم بلاء من حيث إنه يبلي الجسم.
وردت كلمة الابتلاء ومشتقاتها في القرآن الكريم سبعاً وثلاثين مرة، وهي من المفردات التي يكثر تداولها في أدبيات كتب التفسير والتاريخ والسير ونحوها،فكلمة فتنة بمعنى الاختبار والامتحان وقد تأتي ألفاظ أخرى مقاربة لكلمة إبتلاء، كالإضلال في قوله تعالى: “فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ١٦١ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ١٦٢ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ١٦٣”، (الصافات:161–163) وقد يأتي كلفظ المحنة، بمعنى التصفيـة والتهذيب، كما قال تعالى: “أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ”، (الحجرات:3) والخلاصة، إن كلمات الابتلاء والفتنة والمحنة تشترك في معنى الامتحان والاختبار، كما أن بعضها قد يتضمن معاني لا يتضمنها الآخر.
الابتلاء يشير إلى الاختبارات والتحديات التي يواجهها الإنسان في حياته، ويعتبر جزءاََ من قدر الله تعالى وفرصة للصبر والاجتهاد، فقد يبتلى الإنسان بفقد عزيز لديه أو في ماله أو عياله أو يبتلى بمرض عضال، أو يبتلى بالثراء الفاحش والنعم السابغة، فى كل الأحوال يقابل الابتلاء بالصبر،فقد أبتلي الأنبياء والرسل عليهم السلام، كما في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام وابتلائه برميه في النار وبأمر ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام وقصة نبي الله أيوب عليه السلام وابتلائه بالأمراض وفقدان الثروة والأولاد وقصة سيدنا يوسف عليه السلام وابتلائه بالظلم والسجن، ثم إبتلاء نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، كونه عاش يتيم الأبوين وفقدانه لجده وزوجه وأبنائه وظلم ذوي القربى وحصاره وهجرته من بلده مكة المكرمة التي ولد فيها وكانت أحب بقاع الأرض إليه وغيرها الكثير من الابتلاءات، “سُئِلَ رسول الله، أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً قال الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ يُبتَلى الناسُ على قدرِ دِينِهم فمن ثَخنَ دِينُه اشتدَّ بلاؤه ومن ضعُف دِينُه ضعُفَ بلاؤه وإنَّ الرجلَ لَيصيبُه البلاءُ حتى يمشيَ في الناسِ ما عليه خطيئةٌ”، (حديث صحيح، رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه).
إن القاسم المشترك بين كل الابتلاءات التي تعرض إليها الأنبياء والرسل عليهم السلام وكل مبتلى من بعدهم، أن عاقبتها كانت حسنة، فقد صبروا، فكان الثواب والمكافأة من الله عز وجل وزوال البلاء والفرج والتمكين بعد الصبر والاحتساب.
الله سبحانه وتعالى لم يخلق عباده ليعذبهم، هو رؤوف رحيم وإنما يكون الابتلاء لتطهير من ذنب أو رفعاََ لمقام وإرتقاء لدرجة، فأمر المؤمن كله خير وألطاف الله عز وجل تجري دون أن نعلم وفي كل شر يقع بنا، خير كثير سنكتشفه لاحقاََ.
يقول سيدنا على بن أبى طالب (كرم الله وجهه) :
إن تسأليني كيف أنت فإنني.. صبورٌ على ريب الزمان صعيبُ
حريص على أن لا يرى بي كآبة.. فيشمت عادٍ أو يُساء حبيب
اصبر قليلاََ فبعد العسر تيسير.. وكل أمر له وقت وتدبير
والميمن في حالاتنا نظرٌ.. وفوق تقديرنا لله تقدير
#منصةـاشواقـالسودان