زاوية خاصة نايلة علي محمد الخليفة خطابات المَوتى
زاوية خاصة
نايلة علي محمد الخليفة
خطابات المَوتى
ذات ليلة ليست بالبعيدة ، كنت أتسامر مع زميلاتي فسردت علينا إحداهن ، قصة وواقعة في منطقتهم التي قدمت منها لظروف الحرب ، فقالت من باب الإعتزاز ، أن هناك شيخاً يعتقد فيه الناس لمرحلة القداسة ، فتشد إليه الرحال وتُهب له الأموال ، لكونه شيخ صاحب معجزات ، تأتي إليه العقيمة فتنجب والمريض يشفى ، وكل صاحب حاجة يقصده فتأتي حاجته كفلق الصبح ، ومازالت الزميلة تحكي ، وهي من المعتقدين في الشيخ والمؤمنين به ، وتعتد بأن التميمة التي تزين جيدها من ذاك الشيخ ، الذي توفاه الله لاحقاً ، فأستغربت لإنسان ميزه الله بالعقل عن سائر المخلوقات ، أن يقع في فخ الشِرك ، ويدافع عما حرمه الله عز وجل.
وفي ثنايا السرد أشارت إلى أنه وبعد وفاة الشيخ ، ورث المشيخة إبنه الأكبر ، وأن أباه يأتي إليه في كل ليلة فيكاشفه ، ويطلب منه بعض الطلبات، مثل إذهب إلى فلان وقل له ، إن لم تتخلص من سيارتك ستتعرض لحادث وتموت ، فيتخلص منها صاحبها ، إذهب لفلانة وقل لها أباك الشيخ ، أتى إلي ليلة أمس وطلب مني أن أبلغك ، إن لم تذبحي واحدة من أبقارك ، سيموت أبنك فتفعل ما أمرها به الشيخ ، وهكذا قصص يشيب لها الرأس ، تحدثك عن أن الجهل مازال متجذر في نفوس الناس ، والجهل المعني ليس جهلاً بالأكاديميات ، وأنما جهل بالدين والعلوم الشرعية ، فصاحبة الرواية تحمل درجة علمية فخيمة ،لم تنتشلها من براثن الجهل ، ومستنقعات الدجل .
الخزعبلات التي تبنى على مخاطبة الموتى للأحياء ، تنتشر في المجتمعات البدائية المتخلفة ، التي لم تنل قسطاً كافياً من العلوم الشرعية ، وكذلك حديثاً لجأ إليها السياسيون ، حتى يسهل عليهم قيادة القطيع البشري ، في حال غيب الموت أحد المؤثرين ، كما في الراهن السوداني ما بعد الحرب ، واختفاء قائد مليشيا الدعم السريع الإرهابية المتمردة ، عن المشهد عدا ظهوره في خطابات مسجلة ، من فترة لأخرى ، يستخدمها مُحركو المشهد السوداني كعلف للقطيع ، بغرض رفع الروح المعنوية لأفراد المليشيا ، الذين مازالوا يعتقدون في شخص حميدتي ، أنه القائد الذي لا يهزم.
خطاب الهالك حميدتي ليلة البارحة ، يمكن أن نطلق عليه خطاب الموتى للأحياء ، الذي تخبط فيه كثيراً ، مابين توزيع الإتهامات لمصر واصفاً اياها بمن احلت الهزيمة بقواته ، في منطقة جبل موية عبر طيرانها ، واتهام بعض الدول الشقيقة بأنها مشاركة في الحرب مع الجيش ، بالإمداد البشري والعتاد ، وكالعادة لم ينسى فزاعة المؤتمر الوطني ، وكتائب البراء بن مالك ، وقفز الهالك إلى الإطاري والذي عزى إليه نشوب الحرب ، فيبدو أن كاتب محتوى الخطاب مصاب بالزهايمر ، ولم يتدارك دفاع دوبلير الهالك في خطابات سابقة ، عن الإطاري والمدنية والديمقراطية ، تلك المفردات التي غابت عن خطاب البارحة ، أو أنه تم تغيبها عمداً ، كمؤشر لانتهاء فترة شهر العسل مابين تقدم (قحت) والمليشيا.
الخطاب في مجمله لخص حالة الضعف والهوان ، التي وصلت إليها المليشيا ، لدرجة الإستجداء ومخاطبة ماتبقى من الأفراد ، بالتبليغ للوحدات إن وجدت وحدات ، وتوبيخ من يرفض التبليغ ، بقوله “احرس أخواتك واضبح ليهم” ، فهذه العبارات وحدها تكفي لتصنيف الخطاب ، بخطاب إعلان حالة الهزيمة المغلف.
الأيام القادمة ستكون قاسية على ما تبقى من جيوب المليشيا ، فأصبحت خياراتها محدودة إما أن تستسلم ، أو تقاتل حتى الموت ، وماعاد النصر أحد خياراتها ، بالرغم من وفرة العلف الذي جلبه الكفيل ، للقطيع عبر خطابات الهالك لإعادة الروح إلى جسد الموتى ، ولكن هيهات ، فالمؤامرة التي تعرض لها السودان ، هي أكبر مما يتصوره العقل ، ولكن بخبرة الجيش السوداني والتفاف الشعب حوله ، أستطاع أن يفك خيوطها ويُقطع أوصالها ، وقريبا سينتهي من أسطورة المليشيا وإلى الأبد..لنا عودة.