د. عثمان البشير الكباشي يكتب : الشدة تزول
د. عثمان البشير الكباشي يكتب :
الشدة تزول
نوفمبر 2024
لست بشاعر ولا متشاعر ، ولكن ما كتبته هنا ، حصاد ليالي حزينة سهدت فيها طويلا ، لم أنم ليالي متتابعات ، إلا أن يغالبني النوم ، وأنا أتابع أهلي ينزحون من قريتي الكباشي ،بعد أن غار عليهم جند بني سلول أسابيع متتالية .
استشهد على إثر تلك الاعتداءات الآثمة ما يزيد عن العشرة شهداء ، وجرح آخرون .
وإن كان الأذى والقتل والجراح ما انقطع عن قريتنا من أول الحرب .
أفرغت القرية من سكانها لأول مرة منذ تأسيسها على يد جدي الشيخ ابراهيم الكباشي قبل قرنين من الزمان .
أعقبه خلفاؤه المذكورون الذين عمروا الأرواح قبل الأشباح والمعاني قبل المباني .
بفعل الظالمين المعتدين توقف الآذان وانقطعت الجمعة والجماعة وانطفأت تقابة القرآن الكريم وهاجر البشر والطير ، وهدأت ديار كانت موارة بالحياة ، وأغلقت دواوين ما خلت من الضيوف يوما .
كتبت هذه الأرجوزة ، وأعلم أنها قد لاتوافي شروط الشعر كما ينبغي في حق قريتي وأهلي ونفسي .
ولكنها كلمات أو قل دمعات أطفأت بها بعض نيران وجعي وسهدي وأفرغت بها بعض سيل عيني .
الحق يقال حينما كنت أكتب هذه المشاعر كانت تموج في نفسي أحوال وأهوال وصور مئات القرى التي تشرد أهلها وانطفأت قناديل الحياة فيها .
وتفاصيل حكاية قريتي هى نفسها تفاصيل كل قرية سودانية ، وإن اختلفت الفصول و الزوايا والأسماء .
إن كانت كلماتي تعبير عن حزن خاص ، فهى كذلك كلمات مواساة ولسان حال ملايين السودانيين الذين تركوا ديارهم بسبب هجمات المغول السفاحين ، لاسيما قرى وسط و شرق الجزيرة التي تزامنت أخبار مأساتها مع مأساة أهلنا .
النص
قَرْنَان كَامِلَانِ أَوْ يَزِيدَ
(وَفَرَّعنَا) (1)لَمْ يَزلْ يَطُول
قَرْنَان كَامِلَان
الْبِنَاء شَادَه
رِجَالِهَا الْخُلَّص الْفُحُول
حَادِيهِمْ ( الشَّايب ) (2) الزَّاكِي الْمُؤَيَّد
أَقَامَهَا عَلَى هُدًى الْأُصُول
رَوَى أَبِي عَنْ جُدُودِه قَائِلًا :
أَتَاهَا قَادِمًا مِنْ بَلَدِهِ الصَّعِيد
معمما وقارا
وفضله مبذول (3)
وَمِنْ ثِمَار غُصْنَه
تَفَرَّعَتْ سَنَابِل تَكَاثَرَتْ تَنَاثَرَتْ فِي حَضَرٍ وَبَادِيَة وَوَاسِع السُّهُول (4)
الراية من بعده لابْنِه
مُحَمَّد
فَارِسًا مُجَاهِدًا
يَصُول (5)
ثم تلاه طَه(6)
وَالِد الْيَتَامَى فِي فَضْلِهِ شَرْحنَا يَطُولُ
وثالث الخلافة مَيْل(7)
مُوَطَّأ الْأَكْنَاف ذلك الحليم خَاصَّب الْمُحَوَّل
والرابع الْبَشِير (8) نَاصِح مُوَحِّد شَاعِرٌ فِي أَثَرِهِ مَتْبُول
وَالْحِبْر(9) الْفَرِيد لِاتِّسَلَ
عَنْ خَلْقِهِ وَغَيْثه الْهُطُول
ووارث المقام عَبْدُ الْوَهَّابِ( 10) قَدْ جَمَعَتْ لَهُ مَفَاتِح
مدارج الْوُصُول
قَرْنَان كاملان
حِمَاهُمْ مُصَانَة
بَيَّتُوهُمْ قَبْلَه
وخَيْرهم جبلة
من جدهم (سهول) 11
قُلُوبِهِمْ مَشْرَعَة أَقْدَاحَهُمْ مُتْرَعَة
مَشْرُعهم رَوي وَكَفَّهُمْ نَدًى وَقَوْلُهُمْ عسول
رَايَاتِهِمْ عَلَيْه نُفُوسِهِمْ سَخِيَّة أَمْوَالِهِمْ مَبْذُولَة لِلْقَانِع السَّؤول
مَارًّدوا رَاجِيًا
وَلَا جُفُوا جِوَارًا
وَلَا تأخروا في نجدة الملهوف
وَصِيَّة الرَّسُول
مَجْلِسُهُمْ بِضِيفهم حَفِيّ
لَا زَاغ عَنْه بَصَرُهُمْ وَلَا كَفِّهِمْ يَحُول
لَكِنَّهُمْ بالطبع بِشَر مِنْ طِينَةِ خَطَاءَه
لَكِنَّهَا رجَاعه
مِنْ غَيْرِ مَا مطَول
إنْ مَسَّهُمْ شَيْطَان خلَفٍ
أَوْ وَسْوَسَ اللَّعِين
تَذْكُرُوا أَرْحَامَهُمْ الْأَعْمَام وَالْخُؤُول
فَعَادُوا لِلْوئام وَوَصَلَه الْأَرْحَام
وَدَمْعه التَّوَّاب
وَحكْمه الْعُقُول
عَامَان إلَّا أَشْهُرًا وَالْقَرْيَة يَطُوفهَا يمْنَة وَيَسْرِي
جُنْدُ بَنِي سَلُولَ
أَسَاءُوا لِلْآدَاب
فَقَوْلُهُمْ بِذِي
وَفِعْلُهُمْ دَنِيّ
وَرَأيهِمْ مَعْلُول
رجَاجه كَلَامهمْ
صَنَّاجَة أَفْهَامِهِمْ
طِبَاعِهِمْ قَبِيحَة
وَعَقْلُهُمْ مَشْلُول
لَكِنَّ أَهْلَ( اللَّنجه ) 12
تَدَثَّروا بِالْحِكْمَة
وَرَابِطُوا طَوِيلًا
رَجَاؤُهُمْ دَوَامًا : الشِّدَّة تَزُول
يَقُودُهُمْ خليفة
مُوَشَّح بِالْحِكْمَة
مُسَدَّد مُشَاوِر وَحُكْمُه مَسْؤُول
أَقَامَ فِيهَا مَعَهُمْ
يَرْعَاهُمْ الضِّعَاف
يُلاطف الصغار
يؤانس الكبار وَيُسْعف الْمَعْلُول
يُحَاصِر الْإِحْبَاط
بواسع اليقين يَا قَوْمِي لا قنوط فَالْكُرْبَة تَزُول
لَكِنَّهَا السِّبَاع
طِبَاعِهَا غلَابَة
تَأَسِّرها اللَّعاعه
وَالْلؤم دَائِمًا شِيمَتِه الْجَهُول
غَارَتْ عَلَى الْمَسيد
وَمَوْقِعُ التَّكِيَّة
وَموقد التقَابة
أَيَادِي الْمَشْلُول
لَمْ يُرَعُوا فِيهم ذِمَّة
ولا صانوا أبدا حُرْمَة
مشْرُعنا الْمَنْهُول
فأُعْدِمُوا شَبَابًا عزلا فرسانا
وَبِارَزُوا الْالَه بِالْمُنْكَر الرَّذِيل
وَدَاسوا بالنجاسة أَعَزَّه أَكارم
لَمْ يَدًانوا هَامَهُمْ فِي شَرَفِ وَطُول
قَدْ هَاجَرَ الْأَخْيَار
لَا جُبْن لاخَوار مِنْ جَانِي ضَلِيل
مُلَثَّم جَهُلول
لَكِنَّهَا الْأعْرَاض
وَحُرْمَة الْأعْرَاض
لَعَمْرُك
مَا رَعَاهَا مُذَمَّم مسْطَول
إليك نَشْكُو ضعفنا وغلبنا وفقرنا
فيك الرَّجَاء ربنا
ذَا الْقُوَّةِ و الطُّول
النَّصْر مِنْك عَاجِلًا
وَالثَّأْر مِنْ ظَلُومٍ
فأخذك أليم وأمرك مفعول
الصَّبِرُ يَا أَمَاجِد
دَيْدَنكم قَدِيمًا
وَمَنْهَج الْأَجْدَاد
وَالطَّبْعُ لَا يَزُول
الْعَوْدُ عَنْ قَرِيب
وَالظُّفْرُ لَا مَحَالَة
وَتُسَحق الضَّلَالَة
في ربي القدير الظن لَا يَحُولُ
سِتُّوقَد التقَابُة
وَتَنْحَرُ النِّيَاق
وَيرْفَع الْأَذَان
وَنَنثر الشتول
سِيبَتسم (مَوْلَانَا ) 13
بِالْعِزّ قَدْ أَتَانَا
وَنَضْرِب الدُّفُوف
وَيَذْهَب الذُّهُول
سُنَنِشد الْمُوَشَّح
وَنَرْفَع الرَّايَات
(كَاكِا ) 14
مَعَ الشَّبَابِ سَيَضربُوا الطُّبُول
سِينَجلي الْغُبَار
وَتُفْتَح الدِّيَار
وَتَزَهر الثِّمَار
وَتَيَنع الحُقُول
سِيقَدل ( الزِّنَادِى )15
وَيَذْبَحُ الْكَرَامَة
وَيَرْفَع التَّمَام
لِشَيْخِنَا الْفعُول
ثُمَّ يُنَادِي (الشَّامِيّ ) 16 وَالْجَمْعُ فِي تَنَامي وَالظُّلْمُ فِي إفُول
وَيَأْتِي الْأَحْبَاب مِنْ كُلِّ فَجٍّ بَاد
لِيَشْهَدُوا التَّنَاد
وَفَرْحَة الْوُصُول
وَفِيهِمْ إسْلَانج 17
وَجِوَارِهَا النَّجَّاد
وَالْكُلُّ فِي ثَنَاء
حْمًالَة الْحُمُول
مِنْ آوَا لِلْعَشِيرَة
أَنْعَم بِهِمْ مِنْ جِيرَةٍ قَدْ خَلَدُوا
مَسِيرَة
وَنَالُوا لِلْقَبُول
وَصَلَّى رَبِّي دَائِمًا
مَا غَرَّدَتْ حَمَّايما
وَفَاحَتْ النَّسَائِم
عَلَى وَالِدٍ الْبَتُول
……………….
1/ الفرع : اسم غابة كثيفة الأشجار استوطنها الشيخ الكباشي وحولها لقريته الحالية قبل نحو قرنين .
2/الشايب : لقب عرف به الشيخ ابراهيم الكباشي
3/ولد الشيخ الكباشي بقرية أبو قميص شرق معتوق بولاية الجزيرة ،وحفظ القران الكريم بمسيد ود الفادني ، ودرس العلوم الشرعية بجامعة زمانه مسيد ودعيسى ، وتنقلت أسرته بشرق الجزيرة بين قرى عد الحاج والعيدج حيث قبر جده علي ود سهول وغابة ود عشيب ، ثم هاجر ليؤسس قريته الحالية شمال الخرطوم بحري.
4/ للطريقة الكباشية فروع ومراكز في كل أنحاء السودان، ومن أبكارها الأوائل الذين صاروا مرشدين وقادة الشيخ الزاكي أبو شملة في نهر النيل والشيخ ود عثمان في قري والشيخ أبوزيد في أم درمان جوار السوق المشهور به والشيخ مرزوق الذي حملت اسمه المنطقة المعروفة في أم درمان والشيخ مكي والشيخ ود نفيسة شرق الجزيرة والشيخ أبو شمال شرق النيل والشيخ ود خمجان بالنيل الأبيض والشيخ عدلان والشيخ عبيد بالشمالية وعشرات الفروع الأخرى بكردفان والجزيرة وغيرها .
5/ الخليفة الأول محمد بن الشيخ الكباشي امتدت خلافته من عام 1869وحتى استشهاده في توشكي عام 1889
6/الخليفة الثاني : الحاج طه ابن الشيخ الكباشي، امتدت خلافته من العام 1889 وحتى العام 1899
7/ ثالث الخلفاء الخليفة عبد الوهاب ابن الشيخ الكباشي امتدت خلافته من 1899وحتى 1937
8/رابع الخلفاء الخليفة البشير وهو آخر الخلفاء من أبناء الكباشي، امتدت خلافته من 1937- 1963
9/ الخليفة الحبر الشيخ ابراهيم الشيخ الحبر الشيخ الكباشي ، آلت اليه الخلافةفي العام 1963 بعد انتقال الخليفة البشير آخر الخلفاء من أبناء الشيخ الكباشي
10/ الخليفة عبد الوهاب الكباشي ، آلت إليه الخلافة في العام 2000
11/ الشيخ سهول هو الجد الثاني للشيخ ابراهيم الكباشي فهو ابراهيم بن الأمين بن علي ود سهول
12/ اللنجة : أحد أسماء قرية الكباشي
13/ مولانا : الخليفة عبد الوهاب الكباشي
14/ كاكا : لقب الشيخ محمد الأمين أميز منشدي المديح النبوي بالقرية وربما السودان قاطبة .
15/ الزنادي : ابن الخليفة الحبر وشقيق الخليفة عبد الوهاب الكباشي
16/ الشامي الخليفة الحبر شقيق الخليفة عبد الوهاب الكباشي
17/ الجزيرة اسلانج تقع بالضفة الغربية لنهر النيل مقابل قرية الشيخ الكباشي ، كان لها وللقرى حولها موقفا مشرفا في استقبال وإيواء المهاجرين من الكباشي .