رهاب رهاب… هكذا تولد الأفكار العظيمة / د . محمد خير حسن محمد خير يكتب لا يحتاج الأمر الي متنفذ انما الي حرامي
رهاب رهاب… هكذا تولد الأفكار العظيمة
/ د . محمد خير حسن محمد خير يكتب
لا يحتاج الأمر الي متنفذ انما الي حرامي
14 *ديسمبر 2024*
رغم ان تغيير العملة قد جاء كما ذكرنا في مقالنا السابق متاخرا” رغم وجود كثير من المبررات التي تحتم عملية تغيير العملة لإنقاذ ما يمكن انقاذه في جانب أداء بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية وفي جانب الأمن الاقتصادي للأمة السودانية .. وبما انه قد اتخذ قرار تغيير جزئي للعملة بل وبدأت بالفعل إجراءات تغيير العملة الوطنية في بعض ولايات السودان فقد وجب علينا الحديث عن بعض السياسات والتدابير المطلوبة الواجب انفاذها ونحن نتخذ هذه الخطوة الجريئة جدا والمكلفة في ذات الوقت والتي يتوقع أن تكون مآلاتها خطيرة جدا علي الأداء الاقتصادي اذا لم تستصحب باجراءات وسياسات جادة وصارمة جدا لا يأتيها ( الفساد ) من فوقها ولا من تحتها ولا من بين ايديها ….
لكيما تنجح عملية تغيير العملة السودانية في فئتيها المحددتين واللتان تشكلان في ظني نحو 75 الي 80% من إجمالي العملة الوطنية المبرئة للزمة والتي تعادل نحو 900 ترليون جنيه سوداني لابد من تحقق أكبر قدر ممكن من الشمول المالي ، لابد من انتشار واسع للمصارف بفروعها المختلفة وخدماتها المالية المتنوعة وتطبيقاتها الداعمة لعمليات الدفع الالكتروني في كل ولايات السودان حتي نستطيع أن نتحول من السلوك التقليدي للمواطنين وذلك إجراء المبادلات التجارية اعتمادا” علي النقود الحسية الي الدفع الالكتروني الذي أصبح ثمة هذا العصر في كثير من الدول .. وبما أن الوضع الأمني في السودان غير مواتئ نتاج هذه الحرب اللعينة وأن تغيير العملة سيكون في عدد من الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش وأن الولايات التي تحت سيطرة المليشيا المتمردة لن يحدث فيها تغيير للعملة بطبيعة الحال وستظل العملة القديمة مبرئة للزمة فيها اذن ستظل عملية تغيير العملة الوطنية عملية منقوصة وستظل العملة الوطنية القديمة مبرئة للزمة في تلك الولايات الي ان ينتصر الجيش السوداني قريبا” بإذن الله ليكتمل فرح الشعب السوداني ويعود الاستقرار والأمن الي بلادنا الحبيبة وتبدأ إجراءات إعادة الإعمار وتستكمل عملية تغيير العملة الوطنية لتبلغ الإجراءات غاياتها ومراميها..
في الأصل واحد من أهم اسباب تغيير العملة الوطنية رغم ان بنك السودان لم يتعلل بذلك إنما تعلل بوجود كمية من العملة المجهولة تدور في الاقتصاد السوداني وقد اتضح صحة هذا الادعاء فقد أُكتُشِفت أثناء عمليات التبديل كميات من العملات المزورة … عليه لابد من أن تكون الإجراءات الأمنية صارمة جدا لكشف العملات المزورة بل لابد من اتخاذ تدابير صارمة من قبل سلطات الأمن الاقتصادي لمعرفة مصادر الأموال التي ينوي بعض الأفراد والمؤسسات تغييرها خاصة وأن كميات ضخمة من النقود قد تم نهبها من المصارف ولربما يحاول كثير من المتمردين تبديل أموالهم عبر خلاياهم النائمة في ولاياتنا الآمنة بوجود الجيش الوطني .. عليه حذاري ثم حذاري أن تؤتي عملية تغيير العملة من هذه الثغرة الأمنية والبلد ملأي بضعاف النفوذ …
أعود واقول ان واحد من أهم اسباب تغيير العملة الوطنية -رغم تعلل بنك السودان بوجود كمية من النقود الوهمية- وجود ما يتجاوز ال90% من إجمالي العملة الوطنية في يد الجمهور اي ما يعادل نحو 845 ترليون من اصل 900 ترليون تدور خارج الدورة الاقتصادية الراشدة .. وهي اشارة الي عدم فعالية السياسات النقدية وعدم جاذبية أدوات وعمليات وصيغ ووسائل النظام المصرفي المستخدمة لحفز عمليات الادخار الاجمالي لدي قطاع الجمهور والذي يقعد جدا” أداء النظام المصرفي ويضعف قدراته في منح التمويل للقطاعات الانتاجية ذات الأولوية ولذلك يضعف دوره في المساهمة في التنمية الاقتصادية في البلاد … عليه لكيما تنجح عمليات تغيير العملة الوطنية لابد من تطوير حزم الخدمات المالية المصرفية المستهدفة لحفز ادخار القطاع العائلي وتطوير الصيغ المصرفية وتعزيز ربحيتها حتي تصبح جاذبة لمدخرات المواطنين .. ولابد من تفعيل عمليات الدفع الالكتروني بتطوير قطاع الاتصالات وتعظيم مستوي تغطية شبكته واتاحتها بتكلفة معقولة للجمهور حتي تصبح متاحة للجميع وتيسير إجراءات فتح الحسابات بفهم متقدم يوسع مستوي الشمول المالي في البلاد ثم لابد من التضييق جدا للمعاملات التقليدية بصورة إلزامية كما فعلت كثير من الدول ولنا من حولنا كثير من قصص النجاح حتي في أرض الصومال التي توقفت فيها الحرب مؤخرا بعد حرب مريرة ومدمرة لعدد من السنوات واضحت الآن قصة نجاح تروي ويضرب بها المثال في عمليات الدفع الالكتروني وفعاليتها ..
ولكي ما تفضي عمليات تغيير العملة الوطنية الي تحقق استقرار بل انخفاض معدلات التضخم لابد من اتباع سياسات تمويلية موجهة لتمويل القطاعات ذات الأولوية كالقطاع الزراعي والقطاع الصناعي والصناعة التحويلية علي وجه الخصوص وقطاع الصادر والذي يؤدي الي زيادة الناتج الإجمالي للأمة حتي لا يفضي فائض عرض النقود الي ضغوط متزايدة في جانب الطلب الكلي مقابل تراجع في عمليات الإنتاج الإجمالي نتاج الحرب التي دمرت القطاعات الانتاجية والبنيات الاساسية .. ولن يتحقق ذلك ما لم تتمكن قواتنا المسلحة من سحق المليشيا المتمردة باعجل ما يكون حتي تعود الولايات المنتجة الي حضن الوطن وتعود القطاعات الانتاجية الي نشاطها الانتاجي ويبدأ تدفق الصادر ومن ثم تدفق النقد الأجنبي الي البلاد ويتحسن أداء النشاط الاقتصادي برمته ..
ثم لابد من أن يستمر البنك المركزي في انتهاج سياسات سعر الصرف المرن المدار التي أثبتت فعاليتها في المقاربة بين سعر الصرف الرسمي والسعر في السوق الموازي والذي سيسهم في زيادة معدلات تدفق النقد الأجنبي عبر القنوات الرسمية فيعزز من ذلك احتياطي النقد الأجنبي في البلاد مصحوبا” بضبط اولويات الواردات …
لابد أن يطور النظام المصرفي رساميله ليكون قادر علي تمويل التنمية ليعود السودان افضل مما كان عليه حتي لو تطلب ذلك ادماج بعض المصارف ولابد من أن يعزر النظام المصرفي ويطور تقنياته المصرفية وينوع حزم خدماته المالية والتمويلية لتصبح جاذبة جدا وداعمة لعمليات الدفع الالكتروني اذا ما اردنا أن تكون العملة لدي الجمهور في مستوياتها المستهدفة ..
*كسرة:*
ارجو الا يتسرب الفساد الي مساحة عمليات تغيير العملة الوطنية واظن انه لو لم تبذل جهود جبارة من الأمن الاقتصادي في مراقبة هذه الثغرة فإنه ستؤتي عملية التغيير من قبلها وستكون سبب من اسباب فشلها.. وان فشلت عملية التغيير كما حدث ذلك في عدد من الدول فإن مآلها سيكون خطيراً علي عدد من المؤشرات الاقتصادية الكلية كقيمة العملة الوطنية ومستوي التضخم .. واذكر هنا حادثة حقيقية.. طلب احد مواطني جنوب السودان قبل الانفصال (من احدهم) بعد انتهاء فترة تغيير العملة السابقة مساعدته في تغيير مبلغ 3 مليون جنيه سوداني اي تلاتة مليار جنيه ووعده بمنحه 25% من المبلغ وقال له لو وجدت شخص متنفذ في بنك السودان أو الحكومة فسنكسب سويا” .. قال له من عُرِض عليه الأمر أن هذه العملية لا تحتاج الي شخص متنفذ إنما تحتاج الي ( حرامي ) .. إن لم تسد هذه الثغرة فسيصبح شرها مستطير علي عملية تبديل العملة …