د. محمد. حسن فضل الله يكتب تحت الحصار السلام لقلبك يا صاحبي …. أوتعرف الذين احصروا
د. محمد. حسن فضل الله يكتب
تحت الحصار
السلام لقلبك يا صاحبي …. أوتعرف الذين احصروا
يا صاحبي السلام لقلبك المطمئن وانت تقرأ الآية الكريمه (273) من سورة البقرة كأنك تحس انها أنزلت الان…
(لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).. صدق الله العظيم ..
يا صاحبي.. من معجزات القرآن الكريم ان اياته تتنزل عليك في مواقف واحداث ومشاهد ..فيخيل إليك أن هذه الآية مانزلت الا في هذا المشهد والموقف وذات اللحظة …
الفقراء ء الذين احصروا قال عنهم ابو جعفر …
معنى ” الإحصار “، تصيير الرجل المحصَر بمرضه أو فاقته أو جهاده عدوَّه، وغير ذلك من علله، إلى حالة يحبس نفسَه فيها عن التصرُّف في أسبابه، بما فيه الكفاية فيما مضى …وقال ابن زيد : مثل أن كانت الأرضُ كلها حربًا على أهل هذا البلد، وكانوا لا يتوجَّهون جهة إلا لهم فيها عدوّ…
والقول في تأويل قوله : لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ:.. لا يستطيعون تقلُّبًا في الأرض، وسفرًا في البلاد، ابتغاءَ المعاش وطَلبَ المكاسب، فيستغنوا عن الصدقات، رهبةَ العدوّ وخوفًا على أنفسهم منهم…
وقال أبو جعفر: ” يحسبهم الجاهل ” بأمرهم وحالهم” أغنياء ” من تعففهم عن المسألة، وتركهم التعرض لما في أيدي الناس، صبرًا منهم على البأساء والضراء. منَ التعفف “، من تَرْك مسألة الناس….
وفي تأويل تعرفهم قالو تعرفهم بسيما الفقر وجَهد الحاجة في وجُوههم وبرثاثة ثيابهم. وقالوا: الجوعُ خفي كما يُدرك المريضُ فيعلم أنه مريض بالمعاينة..
وملخص القول يا صاحبي في تأويل قوله تعالى : لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا.. ذلك أن الله عز وجل وصفهم بأنهم كانوا أهل تعفف، وأنهم إنما كانوا يُعرفون بسيماهم. فلو كانت المسألة من شأنهم، لم تكن صفتُهم التعفف..
يا صاحبي عرفت اذن أين تجد هؤلاء ….
تجدهم في مدارس النازحين ومعسكرات الأيواء والأندية واماكن التجمعات ، والمنافي، والازقه والشوارع، والانفاق وتحت ظلال الاشجار ،وفي الخيام ، أينما يممت وجهك تجدهم هجروا ديارهم واحصروا في الارض …
الذين احصروا في سبيل الله ياصاحبي هم النازحين والهائمين على وجوههم لا ملجأ يقبلهم ، ولاصديق يضمهم، ولا قريب يعزهم،..
الذين احصروا ياصاحبى ..هم البائسين والمرهقين والحيارى والمعذبين الذي تسرق لسعات الذباب عن وجهم السعادة نهاراً… والباعوض ليلاً، ويعوزهم الدواء والغذاء وطفل احدهم يموت بالحمى وزوجته تئن تحت النزيف ..
الذين احصروا يا صاحبي هم الذين تدور الحرب حولهم من كل مكان ، والطرق مقطعه ، والعدو منتشر، ، فلو اردت العبور من الخرطوم الى امدرمان فيتعين عليك أن تقطع أربع ولايات وتطوي سفرا يستغرق اليوم كله كنت تقطعه في بضع دقائق … وان اردت زيارة الخرطوم من امدرمان فدونك قلل من الأخطار دونهن حتوف ، ومغاور ومفاوز ومهالك ..
تجدهم يا صاحبي في المستشفيات وقد الجأهم المرض فلم يجدو أسرة فافترشوا الارض فوق نقالة أو سجادة بالية .. وتم تعليق زجاجة (الدرب) في مسمار على الحائط…
تجدهم في وجه بروفسور في تخصص عميق في الفيزياء النووية أو النانو تكنولوجي وقد عبأ أمامه جردل(ليمون مركز) وهو ينادي عليه لعل احد المارة يتكرم فينقده ثمن كوب أو ربما تكرم جدا فمنحه ثمن كوبين..
انظر حولك يا صاحبى فحتما ستجده في صديقي برفسور (هاشم النور) البيطري الضليع واخصائي الجينات الوراثية وقد استلم (صاج الطعميه) بمدينة سنار من الفجر وهو كما يقول البركة في البكور .. وستجدهم في (شيخ الغزالي) وهو يغرف الملاح والادام عوضا عن الجواهر والدرر في تكية مسجد اولاد باعو.. وستجدهم في العزيز الصحفي (يوسف عبد المنان) وقد هجرته الحرب من الدبيبات إلى امدرمان ، ثم إلى بورتسودان ، وتجدهم في الحبيبه ( د. وفاء سعد عمر) ،وقد تقطعت بيننا وبينها السبل ، وتجدهم فى العزيزة (د. تقوى) وهي تطأ أرضا وديارا لم تطأها من قبل.. وتجدهم في (أسوم) صاحبة الإسم المعلوم ، وقد هاجرت مثل فاطنة السمحه فرارا من الغول .. وتجدهم في (النور جابر) وقد الجاته الحرب إلى بلاد الأواسط من بعد دارفور ..وتجدهم فى الحبيب (الإمام النعمه) وقد يمم وجههه شطر المجهول وغياهب الصحراء بعد أن استولي على دياره التتار .. وتجدهم في الكريمة (لجين اسامه) وقد هاجرت مدرستها كلها إلى مصر … وتجدهم حولك ياصاحبي في عشرات النماذج والامثلة .. وهم جميعا من الذين احصروا في الارض…
يا صاحبي صدق او لا تصدق .. احدي بائعات الشاي عند محطة عبور شندى رفضت أن تأخذ مني ثوب كوب القهوة وقالت ( يابروف انت درستني في الماجستير بجامعة امدرمان الاسلامية) واعتذرت بشدة عن ضيق الحال وهي تحاول أن تضع في يدى قليلا من النقود…
تجدهم يا صاحبي في طفلة مثل حسن الشمس اذ طلعت كأنما هي ياقوت ومرجان .. ذكرت لي انها تدرس في كلية الفنون الجميله. تبحث عن أجرة يوم في غسيل الملابس أو نظافة البيوت لعلها تعود إلى اخوتها الصغار في الملجأ بقطعة خبز ..
تجدهم يا صاحبي في وجه عزيز قوم ذل، وغني أسرة افتقر، وشجاع قبيلة احتقر ، وسيدة متقدمة في العمر اهينت، وامرأة ذات عفاف ترمقها الذئاب وتساومها على شرفها الضوارى …
تجدهم ياصاحبي في اسر هاجرت إلى مصر من باب اللجوء يفترشون الطرقات في عابدين ويبيعون المناديل في الفيصل، ويعملون في خدمة البيوت في أرض اللواء، ويمارسون التشرد في الدقي ..
تجدهم يا صاحبي مع بناتهم في الإمارات ومع نسابتهم في السعودية محاصرين في شقة ضيقة مساحتها لاتتجاوز المائة متر وهم الذين ما تعودوا السجن ولا الحبس ولا حتى القعاد مع النسابة ..
تجدهم يا صحبي مع أقاربهم في الشمال والوسط ومدن السودان وقراه المختلفه يطعمونهم من قمح فؤادهم ويسقونهم ماء العيون .. ورغم ذلك كله ما زالت الوحشة ولا اختفت الكآبة عن الوجوه ..
هم يا صاحبي الذين احصروا في سبيل الله…
لا يستطيعون ضربا في الارض…
تعرفهم بسيماهم…
لا يسألون الناس الحافا ..
فإذا مررت بهم يا صاحبى فتصدق عليهم ببسمه، وامسح رأس طفل يتيم فيهم ،واجبر خاطر امرأة عجوز ،وابتدر عبارات التوقير لعالم منهم قد كسر ، واكرم عزيزاً فيهم قد ذل، و وواس غنياً منهم قد افتقر ..
لا اراك الله يا صحابي مرارة الحصار ولاطعمه العلقم ،بل اورثك اليقين والاطمئنان، فإنه يليق بك… ثم السلام لقلبك ياصاحبي.. ثم كن سرمدا بخير