منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

في ذكرى تحرير الخرطوم١٨٨٥م د الصادق الهادي المهدي

0

في ذكرى تحرير الخرطوم١٨٨٥م
د الصادق الهادي المهدي

تظلنا هذا اليوم الذكرى الاربعين بعد المائة (١٤٠) لتحرير الخرطوم في مثل هذا اليوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥م فسلام على من حرروها من غردون وسلام ارواحهم في الخالدين وسلام على المهدي الامام.
لا شك أن الامام محمد احمد المهدي كان يقتدي بالرسول عليه الصلاة والتسليم في حركته وسكونه، اتباعاً والتزاماً وخاصة في الالتزام باخلاق الحرب. يتجلى ذلك في تحرير الخرطوم موضوع هذا المقال. إذ يذكر المؤرخون انه بعد أن ادى صلاة الفجر في ابو سعد وقف بعد قراءة الراتب وقال خطبة مشهورة في الجموع التي تتأهب للزحف لتحرير مقرن النيلين. فقال الامام محمد احمد المهدي ان على الانصار ضرورة اتباع النبي وتعاليمه في ازمنة الحرب وهي وصايا ملزمة وخاصة فيما يتعلق بالأسرى من المواطنين والأجانب واهل الملل والنحل الاخرى. ومن ضمن تلك الوصايا عدم قتل غردون ثم تعين الخليفه شريف على رأس قوة أوكل إليها منع الاعتداء على الذين يغادرون معسكر غردون او قتل العلماء وسادة العهد السابق الذين كانوا يقفون خلف غردون وأوصى الحاضرين بعدم قتل غير المحاربين، وعدم قتل من يلقي سلاحه. وأوصى الامام المهدي بالحفاظ على حياة الشيخ الأمين الضرير شيخ الاسلام ومفتي حكومة الخرطوم وقتها والشيخ محمد حتيك قاضي القضاة،، والمفتي شاكر، والسنجك محمد قرضية،والضابط فرج باشا الزين القائد العام .والشيخ محمد السقا، والسيد حسين المجدي، وأحمد بك جلاب مدير الخرطوم، والشيخ محمد الخراساني، والشيخ سليمان الدراوي، ومحمد سليمان، ومحمد طه الشامي،
ولان الامام محمد احمد المهدي كانت لديه شكوك في تربية مجموعة (الجهادية) الذين استسلموا للأنصار في الأبيض وبايعوا الإمام المهدي ، قال الامام محمد احمد المهدي للامير عبد الرحمن النجومي القائد الأعلى لجيوش المهدية بعدم إشراكهم حتى لا يعتدوا على المواطنين من سكان المدينة او يتعرضوا لممتلكاتهم. وزيادة في الحرص اجتمع الامام المهدي بعد عبوره النيل الأبيض للمرة الاولى في يوم ١٥-١-١٨٨٥م، بقادة الجبهات واكد لهم ضرورة ان يكون قادة الجبهات من سكان المدينة او من جوارها لانهم يعرفونها ويعرفون سكانها وحتى يمنعون اي اعتداء على احد من الأبرياء. وقد اكد القس اوهروالدر على هذه المعاني وإن برّره بأن الامام المهدي لم يكن يثق فيهم وخاف ان ينضموا إلى غردون ولكن كثيرا من المؤرخين الثقاة يطعنون في امانة القس اوهروالدر واستنتاجاته. وقد قدم سلاطين صورة عن أوضاع غردون لا تشجع احدا على الاقتراب منه فقد قال “وقد بذل غوردون جهده لكي يثبت وقد نشر أن جيشًا إنجليزيًّا قادم إليه، وطبع نقودًا من الورق وكان يوزع الأوسمة والرتب كل يوم بلا حساب لكي يشجع الجنود، ولما أخذت الأحوال تسوء واليأس يحل، كان هو يجاهد في تحميس الجنود وترجيتهم، ولكن اليأس فاق كل الرجاء، فلم يعودوا يروا فائدة في هذه الأوسمة والرتب، أما نقود الورق فربما كان هناك من يشتري ورق الجنيه بقرشين آملًا أملًا ضعيفًا في الربح إذا جاءت المصادفات بانتصار للحكومة.
ولم يكن أحد يصدق وعود غوردون الآن، ولو أن باخرة واحدة حملت بعض الجنود وجاءت بهم إلى الخرطوم وأخبرتهم بأن الإنجليز انتصروا، لامتلأت قلوب السكان والجنود حماسة وصدقوا وعود غوردون، وكان عندئذ يمكن لضابط إنجليزيٍّ أن يرى الجزء الذي دمره فيضان النيل من حصون المدينة وكان في الحال يأمر بإصلاحه، ولكن ماذا كان يمكن أن يصنعه غوردون وهو وحيد وليس معه مساعد أوروبيٌّ؟
وهذا يعني أن غردون نفسه تملكه اليأس ولم تعد لديه القدرة على جذب أي شخص مثلما لم يعد يستطيع حماية حدود قصره الذي يقيم فيه. صحيح كان يكابد الانتظار ويلتفت يمنة ويسرة لحملة الإنقاذ لانتشاله من مصيره وهذا حال لا يغري أحد فصاحبه ظل ينظر إلى كوة او فتحه من قصره الى النيل لتحمله من مصيره المحتوم.
ومهما يكن فان الامام المهدي حرص ان يدخل جنوده الخرطوم وهم ملتزمين باخلاق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وبأخلاق اصحابه. وقد اورد بابكر بدري انهم حين حرروا الخرطوم وكان شابا أنصاريا ، قال وجدنا منزلاً فيه كميات من “الزبيب والدقيق والقمح والسمن واللحم المقدد وجوالات الذرة ولم نجد به أحداً فلم نلمس شيئاً من هذه المأكولات لأني كنت صائماً ولو كنت غير صائم لا يمكن أن آكل كصاحبي حتى يصدر الإذن من ولد النجومي عن الامان المهدي بإباحة ما يؤكل وفعلاً لم يصدر الإذن إلا ضحى الثلاثاء” فحسب رواية بابكر بدري كان الذين حرروا الخرطوم من الورع بحيث انهم كانوا صياماً وكان بابكر بدري شاهداً على العصر كما يقولون. فضلاً عن ذلك كان هناك التزام صارم بالأوامر وكانت مشددة بالنصوص الشرعية وخاصة بشان حماية المرأة في الخرطوم ففي ٥-٢-١٨٨٥م اصدر منشورا جاء فيه
(فإن النساء الخارجات من الققر جميعهن أحببنا أن يعطين لأزواجهن ولا يجوز لأحد من أصحابنا وأحزابنا أن يتزوج بهن. فذوات الأزواج تسلم لأزواجها، وكل من لا زوج لها يجمعها لدى أمين يكون مأمون جداً ويجري راحتهن حتى نرى حكم الله فيهن، والحذر من التزويج لأحد بواحدة من نساء القياقر المذكورة صغيرة أو كبيرة ثيباً أو بكراً ومن تزوج بواحدة من المذكورات قبل نظر حكم الله فهو الجاني على نفسه والسلام)
كان الامام محمد احمد المهدي يعرف علماء السوء ويعرف كتبهم التي كتبوها وله منشور يرد فيه على علماء السوء ولكنه عند لحظة تحرير الخرطوم نظر اليهم على اساس انهم ضحايا لاغراضهم الشخصية الضيقة وضحايا الطمع في الدنيا. لذلك وجد لهم العذر ومنع الانتقام منهم.
وبالنسبة لاصحاب الأديان الاخرى منع الاعتداء عليهم سواء في الأبيض أو عند لحظة تحرير الخرطوم. ولذلك لم يتم رصد أي اعتداء على إي كنسية في الخرطوم او قتل أي قسيس اللهم الا إن كان مقاتلاً في صفوف غردون.
مع ذلك عين السخط تبدي المساوئ ولذلك هناك بعض الذين يتداولون التاريخ في الوسائط الاجتماعية يشككون في طلب الامام محمد احمد المهدي من أنصاره عدم قتل غردون رغما عن ذلك قتل وبالتالي بقية اعداء المهدية ومنهم العلماء الذين كانوا يعملون مع غردون. وهذا سؤال مقبول شكلا كما يقول المحامون. ولكنه مرفوض موضوعاً. قد أكد لي المرحوم اللواء ابو قرون عبدالله أبو قرون وهو استاذ في الكلية الحرب وكلية القادة قال لي ان ارجح الروايات ان غردون وصل إلى قناعة مفادها ان حملة الإنقاذ لن تصل وان قواته صارت تستلم أو تنهار امام زحف الجيش الانصاري فقرر الهرب بعد اقتحام الخرطوم وعندما لحق به الانصار كان قد اعتلى سقالة ليعبر منها الى السفينة الراسية على النيل الازرق قصاد قصره والتي توهم انها قد تحمله في حال قرر الانسحاب. ولان المقاتلين الانصار لا يعرفونه فقد اندفعوا يطاردون المتسللين من القصر وكان غردون يرتدي ملابس عادية وكان من بين الجنود الفارين نحو الباخرة. فتم القضاء عليه في تلك الحالة وفيما بعد تبين للثوار انه غردون. ولقد انطلى الأمر على بعض الاجيال الجديدة ولم يدركوا هذه التفاصيل واعتقدوا ان اللوحة التي رسمت في القرن العشرين هي صورة تخيلية للجنرال غردون ترسم موقف بطولي له في لحظاته الاخيرة اما جموع الانصار هذا ما ارادته وتمنته المخابرات البريطانية و حاولت أن تروج لبطولاته الزائفة في فلم سينمائي سمي بالخرطوم يعرض سنويا في ذكرى مقتله بالتلفزيون الانجليزي BBC2.
وفي الحقيقة لم يكتفي الامام محمد احمد المهدي بالمنشورات وتعيين الخليفة شريف لحماية العلماء والفقهاء والقضاة بل استبق ذلك بتكليف مجلس
من الأمراء احمد عمر ومحمد عبدالكريم ومحمد سليمان والمجذوب الذي اسماه الامام محمد احمد المهدي المجذوب سبط المجذوب الولي المشهور. وكانت من مهام هذا المجلس السماع لشكاوى الناس وإنصافهم والرد على خطاباتهم وإحالتها إلى النواب كالحليفه عبدالله ولكن دون التدخل في الأحكام القضائية التي يصدرها القضاء واذا اختلف الرأي بينهم يحاولون ما أستطاعوا أن يكونوا أقرب إلى الصواب وابعد عن الضلال كما من مهامه تقديم الاستشارة وتوجيه عامة الناس إلى الاشياء التي تخص احمد سليمان امين بيت المال. وهذه الترتيبات تبين أن تحرير الخرطوم لم يكن خبط عشواء او انه لم يتم التخطيط له بصورة محكمة تمنع حدوث أي ضرر او تجاوزات للشريعة الإسلامية واخلاقيات الحرب.
أشير إلى أن خطاب الإمام المهدي الى الأمير احمد عمر مؤرخ في ٢٦ مايو ١٨٨٤م وتحتفظ الاسرة بنسخة كاملة منه بحكم ان الامير احمد عمر هو جد الإمام الشهيد الهادي المهدي من جهة والدته السيدة بخيته.

قال الشاعر:
حباب المهدي فيك كبر حرارة ودين
حباب اسد العرين عبد الله ود تورشين
حباب ود النجومي القبرو في توشكين
حباب النور…عقود السم..عقيد الشين
عنقرة المعزة الاصلو ما بتلين
حباب الزاكي اداب النقز في الحين
حباب عثمان سواكن دقنة في الدارين
حباب يعقوب ..حباب محمود … وشيخ الدين
حباب الحرروك بالانتماء والدين
حباب السودنوك ..خلوك سماره وزين
قولو معاي تبارك اقول دقر يا عين

*مصادر ومراجع*
– رواية شفهية اللواء ابو قرون عبدالله ابو قرون
– قصيدة الشريف زين العابدين الهندي
– أوراق اسرة الامام الهادي واسرة الامير احمد عمر
– مكي شبيكة السودان عبر القرون
– ادولف سلاطين السيف والنار
– أوراق السيد علي المهدي
– مذكرات بابكر بدوي
– محمد سعيد القدال الامام المهدي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.