منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

صهيب حامد يكتب : *آيديولوجية المركز العروبي في السودان.. كيف تشكلت وكيف أنهت حرب الجنجويد صلاحيتها!!؟. (١١-١٥)*

0

صهيب حامد يكتب :

*آيديولوجية المركز العروبي في السودان.. كيف تشكلت وكيف أنهت حرب الجنجويد صلاحيتها!!؟. (١١-١٥)*

صهيب حامد

حسنا.. إذن وكما أجملنا في الحلقة السابقة فلقد سيطر المهدي على مقاليد الحكم في السودان وهو ما أذّن بنهاية سيطرة بنية العقل البرجوازي فيه بكافة أشكاله الدولي منها (بريطانيا) أو الإقليمي (مصر الخديوية) أو المحلي (المركز العروبي في السودان). لقد مثّلت المهدية مظهرا سياسياً للمجتمعات التي ساندتها غربا وجنوبا وجنوب الوسط وهي مجتمعات قد إستدمجت بنية وعي تناسلي بالخصائص التي أوضحناها فيما سبق. وبالطبع إننا وفي إطار المنهج البنيوي بشكليه لا نفهم التطور بشكله التصاعدي فحسب ، أي لا نفهم أن بنية العقل البرجوازي أكثر رقيا من بنية العقل التناسلي ، فحسب التحليل الفاعلي (الشيخ محمد الشيخ) فكلتاهما تحتازا وعي قصور وليس وعي فاعلية ، كذلك كلتاهما بنيتان مستغلقتان لأن برنامج العطاء في سياقهما لا يفيض وليس مفتوحاً. ذلك جانب ، أما على الجانب الآخر فإننا في سياق هذا التحليل لسنا بصدد محاكمة جوهرية الدعوة المهديةكرؤية حقة أم كاذبة بل مهمة هذا التحليل هي سبر وظيفيتها كتحويلة لبنية وعي أكبر (بنية وعي برجوازي دولي تمثلها بريطانيا) إستخدمتها أو وظفتها لصالح إضعاف قوى أضعف (بنية وعي برجوازي مثلتها مصر) كي يستدمج كل ذلك في البنية العظمى لتستخدم لا شعوريا وبشكل غير واعي. أو كذلك أستخدمت كتحويلة لخلق السودان الحديث الذي نعلمه اليوم ، فالثورة المهدية نعتبرها ثورة نضال وطني ليس لأنها حررت السودانيين من العسف الأجنبي (فهي في النهاية أوقعتهم في عسف أعظم) بل بالدرجة الأولى تكتسب ثوريتها لأنها دامجت بين المحورين الأساسيين لسودان اليوم (الفور والفونج) وذلك هو الدور التاريخي الذي أدتّه بتفاني وهو دور يثير إلى اليوم حنق بعض وغبطة بعض آخر.

هل إستفادت قوي المركز العروبي من الثورة المهدية كما أملَت؟.. بلا شك فلقد إستطاع هذا المركز عبر دعم المهدي إسقاط قاعدة الحكم القائمة آنذاك (الإدارة التركية) ولكنها (أي قوى المركز العروبي كجزء من بنية الوعي البرجوازي السابق) وجدت نفسها في مواجهة القوى الإجتماعية لبنية وعي مغلقة مثلها (بنية وعي تناسلي) ، أي كلتاهما بني مغلقة فيما يتعلق ببرنامج العطاء!!. إذن وإبتداءا من موت المهدي سيطرت على مقاليد الحكم بالدولة المهدية الجديدة قوي إجتماعية تستدمج بنية وعي مختلفة وحساسية إجتماعية مختلفة وهو ما صنع توتر (البٌنَى) طوال حقبة المهدية. لقد خدمت المهدية كمتلازمة لإضعاف مصر الخديوية التي طالما إعتبرت السودان من أملاكها الأكثر أهمية وهو مدخلها للسيطرة على مياه النيل عصب الحياة بمصر. لقد لعبت المجموعة البريطانية التي أشرنا إليها في حلقات سابفة (Sudan Lobby) أدواراً خطيرة للضغط على الحكومة البريطانية و على اللورد كرومر كذلك بمصر لإخلاء السودان حتى قبل إستيلاء المهدي على الحكم في السودان.

يقول جمال الشريف في كتابه الركيزي الصراع السياسي على السودان “كانت جماعات الضغط وقبل قيام الثورة المهدية في ١٨٨١م تنادي بوقف التمدد المصري في حوض النيل وكانت قطاعات مختلفة من المجتمع البريطاني ترفع العرائض والشكاوى تطالب الحكومة البريطانية بالتدخل لوقف ذلك التوسع”. يستطرد الشريف “بعد قيام الثورة المهدية في ١٨٨١م ثم إحتلال مصر في ١٨٨٢م أصبح هناك نوع من الإرتباط بين السياسة البريطانية وبين قضايا السودان ومصر فأصبح من المتاح إستغلال السياسة البريطانية لتحقيق الأهداف التي تنادي بها جماعات الضغط”. يواصل الشريف” وبتعاظم الثورة المهدية وخصوصا بعد هزيمتها لقوات هكس باشا إضافة إلى الظروف المالية الحرجة التي كانت تمر بها مصر ، إستغلت جماعات الضغط تلك الظروف ونجحت في تمرير قرار إخلاء السودان من المصريين بحجة أن المالية المصرية لا تستطيع تحمل تكاليف مواجهة الحركة المعدية ، ومع أن مصر رفضت قرار الإخلاء إلّا أنه تم فرضه عليها”. كذلك يشير الشريف في المرجع نفسه أن الهدف ليس إزاحة مصر من السودان فحسب بل من كل المناطق التي كانت جزء من إمبراطورية محمد علي باشا كإرتريا والصومال وبعض أجزاء من الحبشة. لقد تم تصميم خطة جماعات الضغط بالضغط على مصر لإخلاء السودان ومن ثم إدخال قوات بريطانية تحت إدعاء إنقاذ غردون باشا على أن تبقى هذه القوات لتقوم بتصفية المهدية وحكم السودان بعد ذلك. يقول الشريف “بالحصول على قرار إرسال حملة إنقاذ غردون قامت جماعات الضغط وعن طريق وزارة الحربية والجنرال ولزلي أحد عناصر اللوبي والذي لعب الدور الأساسي في تعيين غردون بالتلاعب بقرار الحملة.فالجنرال ولزلي الذي أصبح قائدا لحملة الإنقاذ بطريقة ملتوية قام بتحويل مهمة الحملة من إنقاذ غردون إلى إستعمار السودان وذلك عن طريق توسيع قوات الحملة بتجنيد مرتزقة من مختلف أنحاء العالم “. يشير الشريف مسهباً انه ونتيجة لذلك إرتفعت أعداد قوات الحملة من قوة قوامها ١٥٠٠ جندي إلى قوة كبيرة بلغت ٢٣ الف جندي، كما إرتفعت تكاليفها من ٣٠٠ الف جنيه استرليني أجازها مجلس العموم إلى ٨ مليون جنيه إسترليني لم يعرف إلى الآن من أين تم توفيرها!!.

حسناً..ذلك من يد ، اما من اليد الأخرى فلقد أحدثت المهدية منعطفاً أعادت عبره تعريف السودان الذي صار بعدها ليس كما عرفه الناس قبلها!!. لقد ألحق الزبير باشا بجيشه الخاص دارفور لأملاك الخديوي في ١٨٧٤م وهو ما أشّر لخطورة المركز العروبي ونمو كانت أعظم وقد تمثلت في قدرتها على إستدامج فعاليتي الفور والفونج في بنية سياسية واحدة وليس ذلك فحسب بل الإنفتاح على كافة مكونات الحزام السوداني الممتد من المحيط الأطلسي غربا الى البحر الأحمر والهضبة الأثيوبية شرقا وهو الجهد الذي لم نزل نسير بعجلته منذ ١٤٠ عاماً خلت. حسنا.. وبنفس المنهجية التي إستعرضنا بها حقبة الفونج فليس من مناص ولمعالجة حقبة المهدية سوى القيام بإستعراض حقبة مملكة الفور وتفاعلاتها تمهيدا لإعادة قراءة وتأويل ما حدث في المهدية وكيف تم إدارة صراع البنيات وكيف تفاعلت المكونات داخل المفاعل المهدوي مع تطورات الأحداث وماهي المؤثرات التي حكمت سلوك تلك المكونات وماذا تمخض عن كل ذلك!!؟. ذلك ما سوف نقوم به أبتداءاً من الحلقة القادمة ولله المثل الأعلى..نواصل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.