منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

عادل عسوم يكتب : *وقفات، وتدبرات رمضانية. العام 1446 اليوم السابع عشر:* *بدرٌ الكبرى، ومارميت إذ رميت*

0

عادل عسوم يكتب :

*وقفات، وتدبرات رمضانية. العام 1446 اليوم السابع عشر:*

*بدرٌ الكبرى، ومارميت إذ رميت*

يصادف اليوم السابع عشر من رمضان معركة بدر الكبرى وهي أم المعارك في الاسلام، كانت السبب في لجم قريش -الكافرة حينها- وكسر جبروتها واذلالهم بعد استكبار، وفيها رد لعدوانهم بعد ان حشدوا لها وأتوا تدفعهم حمية الجاهلية إلى بدر، والأهم من كل ذلك لكونها تسببت في انهاء نظام وابدال منهج حياة ودين، لذلك حق لمعركة بدر الكبرى ان تسمى (أم المعارك)، وهي الفاصلة بين الحق والباطل في تاريخ الاسلام، وقد سماها الله تعالى معركة الفرقان في سورة الانفال.
جاء النصر المؤزر من رحم المعاناة، المسلمون كانوا الأقل عددا وعتادا:
{ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون} آل عمران 123.
ومن يتأمل الفرق الشاسع بين عدد وعدة المسلمين وبين المشركين يجد النصر كان صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلاً!
كان جيش المسلمين ثلث جيش المشركين، كانوا 313 مقاتلا، بينما بلغ عدد المشركين 1000 مقاتل.
وأصبح النصر نقطة تحول في التاريخ.
بدأت المعركة بتقدم عتبة بن ربيعة، وتبعه ابنه الوليد وأخوه شيبة طالبين المبارزة، فخرج لهم شباب من الأنصار، لكنهم رفضوا مبارزتهم وطلبوا مبارزة بني عمومتهم من المهاجرين، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم بالخروج إليهم، فتمكن أسد الله حمزة من قتل عتبة، وقتل علي ابن أبي طالب شيبة، وأثخن عبيدة والوليد كل واحد منهما صاحبه، ثم مال علي وحمزة على الوليد فقتلاه واحتملا عبيدة، وكان لنتيجة المبارزة أثرها الكبير على المشركين فبدأوا بالهجوم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه برميهم بالنبل إذا اقتربوا منهم ودنوا، وتدخلت العناية الإلهية فأمد الله سبحانه وتعالى المسلمين بالملائكة حيث قال الله تعالى:
{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 17الأنفال.
واقرأوا بالله عليكم وصف المعركة:
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الأنفال 9-10،
وفي قول الله جل في علاه: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} الأنفال 12.
عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: جاء جِبرِيلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قال: (من أَفْضَلِ المُسْلِمِينَ)، قال جبريل عليه السلام: [وَكَذَلِكَ من شَهِدَ بَدْرًا من المَلائِكَةِ].
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، يعني يوم بدر، فقال: (يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا، فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب فارم بها في وجوههم، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين.
وقال السدي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه يوم بدر: أعطني حصبا من الأرض، فناوله حصبا عليه تراب، فرمى به في وجوه القوم، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، وأنزل الله:
{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}.
إنه تمام توحيد الله يا أحباب، فالفعل فعل الله وإن كانت الإرادة وظاهر الفعل من الإنسان،
النصر في الحرب، والنجاح في الحياة، والفوز والغنى، أو كل كسب يكسبه الإنسان لايكون إلا بإرادة الله وفضله، وهنا للشيطان باب كبير يلج منه إلى قلوب ووجدان البشر، فيسكرهم بخمر ال(أنا) كما حدث لصاحب الجنة في سورة الكهف:
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)
وذاك قارون الذي قيل بأنه تعلم الكيمياء والفيزياء واستطاع أن يحيل معادن الأرض ذهبا، وإذا بحجم ثروته: {..وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ…}!
فما كان من الشيطان إلا أن اغواه، فقال قارون عن ماله: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}، وبالطبع لم يكذب قارون، فالرجل بذل في سبيل جمع ثروته مابذل، حتى قال كُثُرٌ من بني اسرائيل {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم}، وذاك لعمري حال الكثير من الناس على مر الأزمان:
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران 14.
وهناك من يجتهد في تحصيل العلم والمعرفة ويقتطع من ماله وعمره وقواه الكثير إلى أن ينال أعلى الدرجات العلمية فوق الجامعية، والشيطان يكون أحرص على غواية أهل العلم من الناس بأكثر من العوام، وما ذاك إلا لكونهم أكثر قدرة على التأثير على مَنْ دونهم علم من الناس، وقصص القرآن والسنة تحتشد بالعديد من الشواهد في ذلك، ومنهم الذي اجتهد وعبد الله فآتاه الله من علم الغيب إسمه الأعظم فأصبح مجاب الدعاء، إنه أحد علماء بني إسرائيل واسمه بلعام إبن باعوراء، وقد قص الله عنه لنبينا صلى الله عليه وسلم فقال جل في علاه:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} الأعراف 175.
فلا يطغين أحدنا بكسبه أو يعتدن بفعله، ومن يرتقى بإيمانه يزداد تواضعاً وشعوراً بفضل الله عليه.
لذلك فإن الله عندما قال لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وهو قدوتنا {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ، وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ} فهو جل في علاه يقول له بأن تدبير الأمور كلها من الله، فهو جل في علاه من وراء الحركة الظاهرة منه بالرمي، وهو جل في علاه من وراء حراك الصحابة بالقتال، ولذلك تلاها قول الله تعالى:
{وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا}.
وهكذا ستبقى معركة بدر الكبرى مناط اقتداء، ومصدر إلهام واستلهام…
اللهم لارمي إلا رميك، ولا مشيئة إلا رهن مشيئتك، بيدك الأمر من قبل ومن بعد، اللهم اجعلنا لك من المُخْبِتين، واكتب لنا رضاك وحبك ما أحييتنا أوكتبت لنا الموت، إنت الله والرب لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمدا نبيك ورسولك، اللهم انصر جيش السودان نصرا عاجلا مؤزرا، واكتب النصر والتمكين لعبادك في غزة وفلسطين بأعجل مايكون.
اللهم تقبل الصيام والقيام، واجعلنا يارحمن ممن عتقت رقابهم من النار، واحفظ وبارك في اهلنا وذرياتنا واجعلهم هداة مهتدين.
اللهم بيدك وحدك علم الغيب فاقسم لنا منه ما يرضينا في دنيانا والآخرة، إنك يارحيم ولي ذلك والقادر عليه.
آمنت بالله.
adilassoom@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.