عادل عسوم يكتب : *وقفات، وتدبرات رمضانية. العام 1446 اليوم الثامن عشر:* *يوم اليتيم في العالم الإسلامي*
عادل عسوم يكتب :
*وقفات، وتدبرات رمضانية. العام 1446 اليوم الثامن عشر:*
*يوم اليتيم في العالم الإسلامي*
في ديسمبر من عام 2013، أصدرت منظمة التعاون الإسلامي في دورتها الأربعين التي انعقدت في كوناكري عاصمة جمهورية غينيا، قراراً تم فيه تحديد يوم الخامس عشر من رمضان من كل عام يوما لليتيم في العالم الإسلامي، للتوعية بقضاياهم واحتياجاتهم.
ومعلوم أن الاسلام يحرص كثيرا على الاهتمام باليتيم، يظهر ذلك في العديد من الآيات القرآنية وأحاديث نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عن اليتيم، تأمر بالعناية به، وتحذر من ظلمه، ومن ذلك هذه النصوص:
{في الدنيا والآخرة ۗوَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة 220
وفي سورة الماعون إذا اجد بأن المكذب بالدين هو الذي {يَدُعُّ الْيَتِيمَ}!، وال(دعُّ) هو الدفع بعنف وجفوة وليس الترك، أي يقهر اليتيم ويدفعه بشدة ويظلمه.
وهنا فإن آية سورة الماعون لاتتحدث عن حاجة مالية او متاع بخلاف اية سورة البقرة التي تتحدث عن اسلوب تعامل مالي، آية سورة الماعون فتتحدث عن مشاعر وأحاسيس وسلوك وانتفاء لل(أنسنة) في التعامل مع اليتيم،
وال(دع) لليتيم بعنف والتعامل معه بقسوة وشدة وجلافة يرسخ في وجدان الطفل اليتيم ليصبح عقدة نفسية ومشاعر كره ونقمة على الفاعل وعلى المجتمع بأسره عندما يكبر، وهو في الأصل فاقد للأب بالذات، ويحتاج بشدة إلى الاتكاء على من يحميه ويتربى في كنفه ليتشكل وجدانه ايجابا.
وقبل المواصلة أرى بان نسأل:
هل مجهول الأبوين (اللقيط) يعتبر يتيما؟
أجاب الشيخ ابن باز رحمه الله وقال:
أن اللقيط مجهول الأبوين حكمه حكم فاقد الأبوين من جهة اليتم، فكافله يعد كافلاً لليتيم -إن شاء الله- إلى غير ذلك من أحكام اليتيم، فهو إن لم يكن يتيماً في الحقيقة، إلا أنه يتيم حكماً.
وهنا أعود الى آية سورة البقرة التي ابتدرت بها خاطرتي لأقول:
{…وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة 220
توقفوا معي يا أحباب في سياق (إصلاح لهم خير، وان تخالطوهم فاخوانكم)…
إن الله تعالى يطلب منا -بالاضافة إلى التصرف العادل في المال- أن نعوض اليتيم بالتكافل المجتمعي والتلاقي الإيماني والتربية التشاركية، عن مشاعر الأبوة التي فقدها بفقد والده، وذلك ينأى به عن (الحقد) على رصفائه من الأطفال الأحياء آباؤهم، ثم الحقد على المجتمع من بعد…
فالأمر ليس قاصرا على ادارة مال ليتيم أو خشية من أكل ماله أو اختلاط للمال مع مال الكافل، انما أجده والله أعلم أكبر من ذلك طالما الآية تدعو الى (اصلاح) وحث على ال (اختلاط) وتقريبهم وادغامهم في حراك الناس.
قرأت عن استغلال للقطاء في قصص الحروب القديمة والحديثة، يتم عزلهم عن المجتمع ثم تجنيدهم في كتائب خاصة في بعض الجيوش، فإذا بوحشيتهم تتعدى حدود المتخيل من وحشية البشر!
والتأريخ يذكر اسماء حضارات ودول ثم رؤساء دول كانوا يجمعون الايتام في دور خاصة، ويتم تربيتهم على الحقد والسادية، اضافة إلى التدريب العسكري، ثم يستخدمونهم في حروب ومذابح كانت آخرها مذبحة سيربرنيتسا الفظيعة في البوسنة والهرسك، واللقيط/اليتيم وهو طفل يعد (عجينة) يمكن تشكيلها في أي صورة يريدها الراغب.
وللعلم فإن تعداد الايتام ليس بالقليل في كل دول العالم دون استثناء، ولعل الحروب الأخيرة زادت ومافتئت تزيد من اعدادهم، يضاف الى ذلك الكوارث كالزلازل والبراكين والتصحر والجفاف، ثم التطهير العرقي والامراض الفتاكة إضافة إلى الفقر والعوز.
قال رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر في هاييتي (فيلس لين تيلوت)، إن عدد الايتام في هاييتي يفوق ال30 ألف طفل!، والكثير من دور الأيتام تستغلهم، وقد وجدت المؤسسة حالات عديدة من الاستغلال الجنسي للأطفال والإتجار بهم داخل دور الأيتام في هاييتي.
انتهى كلامه.
وهناك قصص محزنة لآلاف مؤلفة من الايتام من عرقية الروهينجا المسلمة الذين تم تهجيرهم من ماينمار الى بنقلاديش.
ثم اني وجدت دراسة عن المجرمين في بعض السجون الاوربية تفيد بأن نسبة الذين نشأوا في دور للأيتام منهم يعد النسبة العظمى، وهناك تفصيل بأن طبيعة الجرائم التي يسجنون بسببها تكون دموية وقاسية!…
الخلاصة:
لقد تبلورت عندي رؤية شخصية وقد أصبحت قناعة عندي، وترسخت هذه القناعة بعد أن علمت بأن العديد من الولايات في أمريكا تمنع اقامة دور للايتام، وتقتصر الدور على دور العجزة فقط.
انهم استبدلوا تلك الدور ب(منازل الرعاية البديلة)، والتي تتضمن تبني أسرة أمريكية لطفل لقيط.
في البدء رددت الأمر إلى شيوع الزنا وتقنينهم له بقبول المجتمع ب(الأمهات العازبات)، لكنني خلال احدى زياراتي لمدينة اكستون في ولاية بنسلفانيا التقيت بأحد الدعاة السوريين وهو استاذ جامعي في علم النفس، التقيته في المركز الثقافي السعودي في المدينة، وعندما سألته عن السبب في انتقاء وجود دور للايتام في أمريكا، قال لي بأنه سأل الداعية الاسلامي الامريكي يوسف أستس الذي كان مبشرا وواعظا في الكنيسة قبل اسلامه عن ذلك، فقال له بأن أمريكا استمدت ذلك من الاسلام!.
لقد اخذوا فكرة (كفالة اليتيم) من مأخوذة من الإمارة الإسلامية في صقلية (٢٥٠هـ – ٤٥٠هـ) وهي مستنبطة من آية البقرة أعلاه:
{…قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ…}
ومعه أيضا قانون المحلفين في المحاكم الامريكية، وقال بأن أصل فكرة “هيئة المحلفين” Jury المنتشرة في المحاكم الأمريكية، وأصلها “اللفيف” في الفقه المالكي، وهي عبارة عن هيئة مكونة من اثني عشر عضوا يشهدون أمام القاضي حول الأمور التي رأوها أو سمعوها بأنفسهم.
مذ ذاك طللت أسائل نفسي:
لماذا لم ينتبه المسلمون لذلك؟!
ولماذا تقام دور للأيتام في كل دول العالم الإسلامي تفصلهم عن (مخالطة) المجتمع، لماذا يفعلون ذلك وكل الشواهد تشي وتدل على الكثير من أضرارها على اللقطاء؟
ولعلنا قرانا عن قصص عديدة لاستغلال القصر في دور رعاية عديدة في عدد من الدول العربية والٱسلامية.
اليتيم يعد أضعف الفئات من الاطفال لفقده للسند، بخلاف الفقير والمسكين وحتى الطفل المعاق.
والذي أراه والله أعلم أن تغلق دور رعاية الايتام، ويقتصر الامر على (مراكز) لجمع واستقبال هؤلاء الأيتام (مهما كان سبب اليتم)، ثم تحرر لكل منهم شهادة ميلاد باسم أبيه -ان علم- وبإسم تقديري ان لم يعلم، ثم يسعى المركز وبدعم الدولة إلى حث ودفع الأسر إلى كفالة الطفل باستصحاب الشروط والموجهات الاسلامية الشرعية المعروفة للكفالة.
ولكي أختم مقالي لنقف معا (مليا) عند ختام آية سورة البقرة:
{…وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ…}
الإعنات هو أن تدفع بسواك إلى أمر فيه مشقة.
ويقال للعظم المجبور إذا أصابه ألم فهاضه: قد أعنته.
(غريب القرآن لابن قتيبة).
والمعانتة كالمعاندة، لكن المعانتة أبلغ؛ لأنها معاندة فيها خوف وهلاك، ولهذا يقال: عنت فلان: إذا وقع في أمر يخاف منه التلف.
ياترى ماهو الإعنات المقصود هنا؟!
اقول والله أعلم بأن العنت هنا يشير الى ال(مآلات) التي يمكن أن يتسبب فيها اللقيط/ اليتيم لمجتمعه ان لم يلتزم المجتمع بالتوجيه الرباني في آية سورة البقرة:
{…قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ…}.
حيث سينشأ حاقدا على مجتمعه، وقد تمتد إليه أياد عديدة تستغله لمآربها بعد ان تسعى إلى تربيته وتشكيله على مرادها، ومن أمثلة ذلك فرنسا التي تقيم في مستعمراتها السابقة دورا للايتام والأطفال المشردين خارج قواعدها العسكرية، ويتم تربية هؤلاء الأطفال بثقافة فرنسية محدودة وبولاء كامل للجمهورية، و عزل كامل عن المجتمع الخارجي، ويتم تدريبهم عسكريا والحاقهم بالفيلق الأجنبي في الجيش الفرنسي الذي لا تشترط فيه الجنسية الفرنسية التي لا تمنح لهم اصلا، ويتم توزيعهم ليخدموا في القواعد العسكرية الفرنسية في مستعمراتها، لذلك تجد في ملامحهم السحنات الاسيوية والافريقية وغيرها من أبناء المستعمرات السابقة مقابل راتب ومعاش لا يوازي رواتب الجيش الفرنسي، ويحضر منهم كل عام فصيل لباريس لأداء الاستعراض العسكري بمناسبة عيد الجيش في شارع الشانزلزيه والمرور تحت قوص النصر، مميزين عن بقية قوات الجيش بمشيتهم المليئة بالعنجهية وحملهم للفؤوس والحبال والأدوات المختلفة.
سؤال الختام:
ياترى هل هناك أضعف من هذه الشريحة من المجتمع أدعى للاستغلال؟!
اقول:
لكي ننأى بمجتمعاتنا عن (إعنات الله)، علينا ان نعيد النظر في اسلوب ونهج تعاملنا مع الأيتام بمافيهم اللقطاء او فاقدي السند كما اصطلح على تسميتهم.
اللهم توفيقك ورضاك والجنة.
adilassoom@gmail.com