منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

وقفات، وتدبرات رمضانية عادل عسوم يكتب : *علوم اليقين الثلاثة*

0

وقفات، وتدبرات رمضانية
عادل عسوم يكتب :

*علوم اليقين الثلاثة*


المدخل إلى ذلك سورة عظيمة لاتزيد آياتها عن ثمان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ، ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} التكاثر 1-8
وكم نمر على هذه السورة الكريمة دون انتباه لمضامينها العظيمة!، فقد أودع الله فيها علوما ذات شأن، ذكر فيها (علم اليقين)، و(عين اليقين)، وهناك في سورة أخرى ذرى اليقين ومنتهاه وهو (حق اليقين).
وهذا لعمري مراد الميممين إلى رضوان الله المتقربين إليه زُلْفَى لنيل شرف محبته بين يدي: (وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه).
يقول الله تعالى في سورة الكافرون: {كلا لو تعلمون علم اليقين}،
فما هو اليقين؟!
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله:
إن اليقين هو تصديق الأمر تصديقاً مؤكداً، بحيث لا يطفو إلى الذهن لِيُناقش من جديد، بعد أن تكون قد علمته من مصادر تثق بصدق ما تَبلغك به.
انتهى قول الشعراوي.
وهناك درجتان فوق علم اليقين هما:
(عين اليقين) و (حق اليقين).
قال الشيخ الشعراوي فيهما:
أما عَيْن اليقين فأن ترى الحدث فتتيقّنه، وهو أمر حقيقيّ يدخل إلى قلبك فَتُصدقه، وهكذا يكون لليقين مراحل: أمر تُصدِّقه تَصديقاً جازماً فلا يطفو إلى الذهن لِيُناقَش من جديد، وله مصادر عِلْم مِمَّنْ تثق بصدقه، أو: إجماع من أناس لا يجتمعون على الكذب أبداً؛ وهذا هو علم اليقين.
فإنْ رأيتَ الأمر بعينيك فهذا هو حق اليقين.
انتهى قول الشيخ الشعراوي.
ودرجة عين اليقين نتبينها في مثال نبوي في حق إبراهيم عليه السلام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة 260.
ويخطئ البعض عندما يقرأون هذه الآية ويحسبونها تدل على (تشكك) من نبي الله إبراهيم عليه السلام في أمر الكفر والإيمان وفي قدرة الله على الخلق، وبالأمس القريب قرأت لأحدهم في أحد القروبات -وهو يبرر لتشككه في أمر عقدي- بأن النبي إبراهيم سأل الله كيف يخلق الخلق؟!.
له أقول بأن إبراهيم عليه السلام لم يشك يومًا في وجود ربه تعالى أو قدرته على إحياء الموتى،
ولا يعقل ان يظن ذلك وهو الذي قال عنه الله تعالى:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} الأنبياء 51.
جاءت هذه الآية الكريمة قبل الآيات التي تتحدث عن نقاش ابراهيم عليه السلام مع أبيه آزر وقومه عبدة الشمس والقمر والأفلاك التي صنعوا لها أصناما، فهل يعقل ان يكون من آتاه الله رشده (من قبل) متشككا؟!
وهو النبي الذي وصفه الله تعالى بقوله:
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121)} النحل.
أيعقل أن يكون متشككا من يصفه الله بكونه أمة؟!
والشك في التصور الإسلامي خللٌ في اليقين، وليس من المداخل إليه بأي حال من الأحوال، وهو ظاهرة مرضية فيمن يتخذه مدخلا، ولا تجد الشك مذكوراً في القرآن إلا في موضع ذم له أو نهي عنه، ولم يوصف بالشك إلا الكفار والمنافقون.
ولعلي أورد هنا ما كتبه الشيخ سيد قطب رحمه الله في الظلال:
“إنه تشوف لا يتعلق بوجود الإيمان وثباته وكماله واستقراره؛ وليس طلباً للبرهان أو تقوية للإيمان، إنما هو أمر آخر له مذاق آخر، إنه أمر الشوق الروحي إلى ملابسة السر الإلهي في أثناء وقوعه العملي”.
انتهى قول الشيخ سيد قطب رحمه الله.
وقد قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:
“إن إبراهيم طلب الانتقال من الإيمان بالعلم بإحياء الله الموتى إلى رؤية تحقيقه عيانًا، فطلب بعد حصول العلم الذهني تحقيق الوجود الخارجي، فإن ذلك أبلغ في طمأنينة القلب”.
انتهى قول إبن القيم رحمه الله.
وللعلم فإن أول من أَصَّلَ لمنهج الشك في الفكر الغربي هو المفكر الفرنسي رينيه ديكارت الملقب أبو الفلسفة الحديثة، وذلك في مقولته الشهيرة (أنا أشُكُّ، إذن أنا موجودٌ)، وهو في الأصل (سارق) لمفهوم الشك على عمومه من الشيخ الغزالي كما أثبت ذلك الأستاذ الكعاك ىحمه الله وقد كان المسؤل عن المكتبة الوطنية في تونس، فقد كتب الشيخ الغزالي رحمه الله عن الشك خلال تصوفه لكنه رحمه الله رجع عن التصوف قبل وفاته.
وأصبح الشك (الديكارتي) مرجعا فكريا لليسار والعلمانيين في السودان وغيره من الدول واتخذوه جسرا للعبور بمناهجهم الساعية إلى هَدم القيم واليقينيات الدينية والعقيدية إلى وجدان الناشئة بالذات، والغرض والغاية من ذلك هدم مسلمات الإسلام ويقينياته المستمدة من الوحي في القرآن والسنة.
لقد طلب ابراهيم عليه السلام من الله أن يريه كيف يحيي الموتى،
وإن كان في سؤاله خطأ لعاتبه الله تعالى كما عاتب آدم عليه السلام حين أكل من الشجرة، ولعاتبه كما عاتب موسى عليه السلام عندما قال رب أرني أنظر إليك.
لنفترض إنك سألت مهندسا وقلت له أرني كيف تبني البيوت، هل يعني ذلك انك تتشكك في قدرة هذا المهندس؟!
ولله المثل الأعلى.
ولعل الله جل في علاه أراد أن يُطمئن قلب خليله ابراهيم عليه السلام فاستجاب لطلبه في ثنايا قصة (أربعة من الطير) ارهاصا بابتلاء عظيم، فقد أمره بذبح فلذة كبده وابنه الأوحد -حينذاك- إسماعيل عليه السلام، وذلك بعد أن أتى به وبأمه هاجر عليهما السلام إلى مكة الواد الغير ذي زرع، ثم تركهما -بأمر الله- إلى أن بلغ إبنه أشده، ولعمري انه ابتلاء لايقدر عليه إلا الذي ترقّى قلبه ووجدانه في علوم ومراتب اليقين…
وعلم اليقين يا أحباب يكون بالسمع،
أما عين اليقين فيكون بالبصر،
وحق اليقين يكون بالحواس أو بالقلب.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه (التبيان في أقسام القرآن):
“المرتبة الثانية: عين اليقين هي التي سألها إبراهيم الخليل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ليحصل له مع علم اليقين عين اليقين. فكان سؤاله زيادة لنفسه وطمأنينة لقلبه، فيسكن القلب عند المعاينة، ويطمئن لقطع المسافة التي بين الخبر والعيان. وعلى هذه المسافة أطلق النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الشك حيث قال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» ومعاذ الله أن يكون هناك شك من إبراهيم عليه السلام أو من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إنما هو عين بعد علم، وشهود بعد خبر، ومعاينة بعد سماع”. ويستمر رحمه الله في تفسير هذه المرتبة فيقول:
“وقد ضرب بعض العلماء للمراتب الثلاثة مثلا فقالوا:
إذا قال لك من تجزم بصدقه: عندي عسل أريد أن أطعمك منه فصدقته كان ذلك علم يقين، فإذا أحضره بين يديك صار ذلك عين اليقين، فإذا ذقته صار ذلك حق اليقين”.
آمنت بالله.
اللهم ياذي المعارج، يا أحد ياصمد، يامن لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفؤا أحد، أسألك بمنك وكرمك وقدرتك أن تصلي على نبينا وحبيبنا محمد بن عبدالله وآله، وأن تسلم على نبيك إبراهيم، وأن تجعلنا من المصطفين الأخيار، وأن تهبنا رضاك وحبك وتكتب لنا القبول في الدنيا والآخرة.
اللهم تقبل الصيام والقيام، وفرج اللهم عنا الكرب، واحفظنا وأهلنا وحقق لنا كل رجاء في طاعتك ورضاك، إنك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
adilassoom@gmail. com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.